حلبمقالات

عبد الرحمن جليلاتي – الفصائل الإسلامية و تركيا.. من طعن من؟!

بعد سنتين ونيف من قيام الثورة السورية كان هناك تجمعين للفصائل المسلحة في سوريا هي الأكبر، الأول هو الجبهة الإسلامية السورية والذي يضم أحرار الشام والثاني جبهة تحرير سوريا والذي كان يضم جيش الإسلام وألوية صقور الشام ولواء التوحيد، ثم اجتمعت القوى تلك تحت مسمى الجبهة الإسلامية، والتي كان لأحرار الشام الثقل الأكبر فيها ما أدى لاحقاً لخلافات واسعة وكبيرة مع جيش الإسلام سبب انقطاع شهر العسل بين أكبر فصائل سوريا منذ بدايته تقريباً.

ثم اندمجت ألوية صقور الشام مع حركة أحرار الشام الإسلامية في آذار 2015 ودخل قائدها ” أبو عيسى الشيخ ” في مجلس شورتها ما أعطى لأحرار الشام نفوذاً أكبر في شمال سوريا في مواجهة جبهة النصرة حينذاك، لكن هذه الحميمية لم تدم مطولاً فبعد حوالي شهرين أو أكثر بدأت الخلافات تطفو على السطح وتبين وجود خلافات عميقة أدت إلى حدوث الانقسام بعد سنة ونيف تقريباً.

تعتبر ألوية الصقور من الفصائل المحلية التي تنتمي للتيار المحافظ، وأدى الواقع الاقتصادي والعسكري (أو غياب الدعم) بالدفع نحو الاندماج مع الأحرار، وكان اندماج فصيل كالصقور بحركة الأحرار هو زيادة في عدد الصوت المعتدل داخل الحركة والتي يعلق عليها أبو عيسى الشيخ بأن أحد أسباب انفصاله عن الحركة هم ” الانقلابيون” الذين لم يسيروا على نهج القادة الشهداء المؤسسين للحركة وعلى رأس هؤلاء القائد العسكري  لحركة أحرار الشام ” أبو صالح طحان ” والذي كان يسعى دائماً للإندماج مع جبهة فتح الشام ” النصرة سابقاً ” في فصيل واحد، لكن ذلك لا يعني عدم تمسك أبو عيسى الشيخ بسلطته ورفضه الاندماج التام في صفوف الأحرار، وذلك كغالبية القادة في الفصائل المسلحة والذين أعطوا أولوية لسطلتهم على حساب الثورة ودماء أهل سوريا.

لم ينتهي الأمر هنا فالأحرار أنفسهم يمرون بتخبط كبير منذ استشهاد القادة الشهداء برام حمدان في الثلث الأخير من عام 2014 ، حيث يتصارع تياران داخل الحركة أحدهم يميل لإخوة المنهج ” السلفية الجهادية ” والتقارب من جبهة فتح الشام وعدم الاعتراف بعلم الثورة السورية أو رفعه ويقوده الطحان وأبو جابر الشيخ، بينما يسعى التيار الثاني ” تيار ثوري” لتوجيه خطاب أكثر اعتدالاً والسعي لتقديم خطاب وطني مع ممارسة سياسية خصوصاً بما يخص التعامل مع الغرب، لكنه تيار ضعيف وإن استطاع انتخاب المهندس ” علي العمر ” قائداً عاماً للحركة.

انتخاب العمر دفع بأبي جابر الشيخ وثمانية آخرين من مجلس شورى الحركة لتعليق عضويتهم ثم تأسيس فصيل ضمن حركة أحرار الشام أُطلق عليه اسم ” جيش الأحرار ” وضم 16 تشكيلاً هدفهم وحدة الصف (كما قالوا) لكن الواقع قال إنهم شقوا صف الحركة، وصدرت بيانات عديدة استنكرت تلك الخطوة منها فتوى تجمع ” أهل العلم ” بحرمة ما قام به أبو جابر الشيخ وجماعته، واستنكروا وأدانوا تشكيل تكتل داخل الحركة متجاوزين نظامها وأميرها الذي رفضوا أو نقضوا بيعته الشرعية “.

أما حركة نور الدين زنكي والتي دخلت في اقتتال داخلي مع ” كتائب أبو عمارة” من جهة ومع ” تجمع فاستقم كما أمرت ” من جهة أخرى وتطور الأمر إلى اشتباكات مسلحة بين الطرفين بدأت في الأحياء الشرقية المحاصرة لحلب والتي سيطر عليها نظام الأسد اليوم وهجّر منها أكثر من 80 ألف مدني كانوا عرضة للقتل المحتم إن اقتحمت قوات الأسد والمليشيات الإيرانية الشيعية المدعومة من الطيران الروسي تلك الأحياء، كما توسع الاقتتال وشمل كل من ريف حلب الغربي وريف ادلب الشمالي.

هذه الكتائب والتي ترفع شعارات إسلامية رنانة منذ أول يوم لتأسيسها وحتى اليوم لم تقدم أي تنازلات للشعب بل كانت دوماً تسعى لمصالحها الضيقة الخاصة ولم يعطوا اعتباراً للدعم والموقف التركي المساند لهم، بل استمروا في عنجهيتهم واقتتالهم وانفصالهم إرضاء لأهوائهم بالرغم من أنها تحملت اتهامات مباشرة بدعم الإرهاب من الولايات المتحدة وروسيا وحتى من دول عربية للأسف ومع ذلك لم تساعد هذه الفصائل من خلال أدائها أبداً في تجنيب تركيا هذه الاتهامات بل كانت في بعض الأحيان تؤكد هذه العلاقة من خلال تصرفاتها الغير مسؤولة.

مالبثت تركيا أن ضاقت ذرعاً من بعض الفصائل حتى تلك المحسوبة عليها والتي تلقت دعماً مباشراً منها فما كان منها إلا أن باعت تلك التنظيمات التي تفتقد للحس الوطني السوري عندما اتفقت مع روسيا في ايلول سبتمبر الماضي عندما اجتمع اردوغان في سانتبرسبرغ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نص الاتفاق على أن يتم تنظيف حلب من كل وجود عسكري للمعارضة لأن الفصل بين القاعدة والفصائل أمر في غاية الصعوبة بل شبه مستحيل في ظل الظروف القائمة.

وقد أرسلت تركيا عدة رسائل بعضها كان شديد الصراحة للفصائل داخل حلب من أنها يجب أن تنفصل عن القاعدة وتبتعد عنها إلا أن الفصائل لم تتلقى هذه الرسائل وتعاملت معها كما هي عادتها بلامبالاة شديدة غير عابئة بالمخاطر التي سوف تترتب على ذلك.
لقد حاولت تركيا جاهدة مرات عديدة إقناع الفصائل بتغيير مسارها إلا أنها كانت تتهرب من الاستحقاقات الوطنية بذرائع شتى، فما كان من تركيا إلا أن رضخت للضغوط حماية لمصالحها ولما تبقى من قوى الثورة وتخلت عن البقية ولسان حالها (أن ينهي العدو مهمة تنظيف الساحة من هؤلاء الأغبياء خير من أن نتلوث بدمائهم).

الاتفاق التركي الروسي ينص على تنظيف حلب من التنظيمات السوداء الإرهابية لأنه لا أحد يستطيع أن يقوم بهذه المهمة في مدينة كحلب.

بالنسبة لقوى الثورة فإن استعادة حلب من قوات النظام أسهل مئة مرة من مواجهة مسلحة بين فصائل اسلامية تغرر بالمدنيين وتخدعهم بشعاراتها وبين فصائل محسوبة على قوى الثورة تمت شيطنتها من قبل عملاء النظام وبعض القنوات المغرضة تماماً كما حصل سابقاً مرات عديدة عندما انقسمت الحاضنة الشعبية بين الفصائل فأثر ذلك على الثورة بصورتها العامة.

الغريب أن البعض مازال حتى هذه اللحظة لا يفهم الموقف التركي الواضح وضوح الشمس فتركيا لن تدعم القاعدة ولن تسمح لأحد أن يورطها بهذه التهمة التي لن تتحمل تبعاتها خصوصاً أنها محاطة بالأعداء.

سقوط حلب بالنسبة لتركيا هو سقوط لتلك التنظيمات الجبانة التي تظن انها تستطيع أن تتغلب على كل القوى العسكرية بالعالم دفعة واحدة غير عابئة بالفاتورة باهظة الثمن من دماء الأبرياء والتي ستنزفها حاضنتها الشعبية.

أعتقد أنه آن الأوان لكي تتوقف مهزلة القاعدة وأن يأخذ الشعب زمام المبادرة لطرد تلك العناصر وأن تبتعد كل التنظيمات عنها وتنفصل انفصالاً تاماً وإلا فإن المهمة ستوكل مرة أخرى للنظام وهذه المرة ستكون في إدلب والجميع سيعلم حينذاك حجم الكارثة والتي سيتحمل وزرها بكل تأكيد قادة الفصائل التي مازالت تصر على التحالف مع القاعدة.

المصدر : وطن اف ام 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى