درعامقالات

بشير البكر – “الموك” وراء المذلّة

تجاوزت سورية خلال سبعة أعوام من عمر الثورة كل الأرقام القياسية في أعداد الشهداء والمختفين قسريا والبيوت التي تهدّمت والمهجرين، وكذلك أعداد الفصائل المقاتلة على أرضها. وباعتبار أن وضع درعا هو الحدث الذي يطغى على سواه في هذه الفترة، فمن المفيد الوقوف عند رقم ورد من هناك، كونه يعكس دلالات كثيرة، ويمكن اعتماده مؤشّرا على انهيار جبهة الجنوب التي كانت تعتبر من بين أقوى جبهات المعارضة المسلحة بالعدد والعتاد. ويفيد الرقم الذي نشره “المكتب الإعلامي بدرعا” أن عدد فصائل حوران 300 فصيل، على رأسها 302 قائد. ولأن الرقم بالرقم يذكر، فإن جهات مختصة أحصت عدد المليشيات الايرانية التي تقاتل على أرض سورية، وتمكّنت من تحديد 66 مليشيا.

شعار “الموت ولا المذلة” انطلق من درعا عام 2011 مع الأيام الأولى للثورة السورية، وتردّد على كامل مساحة الأرض السورية، وهو يلخص حالة الثورة في ذلك الوقت التي انطلقت سلميةً، وكان قرار ناشطيها الأوائل الذين انخرطوا في التنسيقيات أن تبقى سلميةً، على الرغم من أن النظام اعتمد منهج القمع المفرط وقتل كادر الصف الأول، وصبّ كل جهوده لدفع المعارضة لحمل السلاح، من أجل تحويل الثورة إلى مواجهةٍ مسلحةٍ وحربٍ أهلية، وهو يعلم أن المسار السلمي يمكن أن يؤدي إلى إسقاط النظام، لأن دائرته أوسع، في حين أن المواجهة المسلحة مع نظامٍ مدججٍ بالسلاح غير مضمونة، مهما تسلح الطرف الآخر، وبلغ الدعم الذي يصل إليه من الخارج.

اجتهد بعض السوريين، وقرروا مواجهة وحشية النظام بالسلاح، وصدر القرار عن ضباطٍ انشقوا في النصف الثاني من عام 2011، وكان ذلك بهدف حماية المتظاهرين السلميين. ولكن سرعان ما صار السلاح ظاهرةً عامةً، وبدأت تتشكل الفصائل المقاتلة على عموم الأرض السورية، ودخلت على الخط الدول الأجنبية، وتشكلت في عام 2013 “غرفة الموك” في الأردن (Military Operations Center)، وهي غرفة عسكرية خارجية، ومقر قيادة وتنسيق وإصدار أوامر تديرها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأردن وبعض دول الخليج، وتطورت عام 2014، لتضم فصائل عدة من الجيش الحر في درعا والقنيطرة وريف دمشق وريف حلب الشمالي.

وكان هدف “الموك” تقديم كل أشكال الدعم للفصائل المنضوية في إطارها، في مقابل شروط تتمثل في تحديد خطوط حمراء يمنع على الفصائل تجاوزها. وأهم شرطين عدم إقرار أو شن أية معركة أو عملية عسكرية إلا بموافقة من “غرفة الموك” عن طريق ممثلي الفصائل، والالتزام بكل ما يصدر عن الغرفة من مختلف الأوامر، كالانسحاب أو الهجوم. وهذا ما يفسّر، أولا، تجميد الجبهة الجنوبية منذ حوالي عامين، وعدم صدور أي موقفٍ من فصائلها لمؤازرة ريف دمشق الذي صفاه الروس بالتدريج من داريا حتى الغوطة. والأمر الثاني هو التسوية الحاصلة حاليا مع الروس، لتسليم السلاح الثقيل ودخول قوات النظام إلى كامل منطقة حوران والقنيطرة. وليس مصادفة أن تتم مفاوضات استسلام الجبهة الجنوبية في الأردن، كونه البلد الذي احتضن مقر “الغرفة”، وشكل نقطة الارتباط بين أطرافها، وأدار في الآونة الأخيرة تفاهما روسيا أميركيا إسرائيليا لإنهاء وضع الجبهة الجنوبية، وعلى هذا أمن ملاذا آمنا لقادة الفصائل، وترك للروس استكمال المهمة، ويقود المفاوضات ضابط روسي، يدعى الكسندر زورين، يلعب دور المفوض العسكري والسياسي للتسويات منذ داريا.

وفي سياق التسويات الروسية، نقلت وكالة آكي الإيطالية عن مصادر في المعارضة أن “روسيا تُخطط لتشكيل جيش موحد ثلاثي الأطراف، يكون في وقت لاحق نواة الجيش الذي ستعتمد عليه روسيا والدولة السورية”. ويتكون الجيش، بحسب الوكالة، من قوات أحمد العودة في الجنوب، وقوات النمر التي يقودها العميد في جيش النظام سهيل الحسن، وقوات درع الفرات المدعومة من تركيا.

المصدر : العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى