دمشقمقالات

عبد الرحمن جليلاتي – أيُّ أحد أفضل من الأسد !

في بداية الثورة ونتيجة للقمع الوحشي لنظام الإجرام في دمشق ظهرت بعض الأصوات التي طالبت بحماية دولية للسوريين، ومع وجود هذا المبدأ الذي وضعه المجتمع الدولي عام 1949 لمنع تكرار مأساة الحرب العالمية الثانية وسمي بإتفاقية جينيف إلا أن البعض اعتبر مجرد الدعوة لهذا الأمر خيانة وفسرها على أنها دعوة صريحة لاحتلال سوريا ووصمت بالخيانة بطبيعة الحال، وقد صدر ذلك للأسف من بعض أبرز المفكرين العرب الذين ناصروا الثورة ومن بعض رجالات المعارضة التقليدية التي خرجت من سجون الأسد وتجسد الرفض بمبدأ اللاءات الثلاثة وهي رفض التدخل الأجنبي ورفض العنف ورفض الطائفية!

ومع أن معظم الشعب كان يعلم أن وجود هذا النظام قائم على التدخل الأجنبي وأنه أس العنف والطائفية في البلاد إلا أن أحداً لم يستطع أن يرفض على الملأ ذلك الخطأ الكارثي للمعارضة التقليدية والذي فرح النظام به أيما فرح، هذا المبدأ الذي يعني تطبيقه حرفياً إطلاق يد النظام في القتل بدون رادع وتقييد الشعب ومنعه من المطالبة بالحماية بل وتخوين كل من يفكر بذلك!

هذه المقاربة وغيرها من الأخطاء الكارثية للمعارضة التقليدية جعلتها متخلفة تماماً عن مواكبة ركب الثورة وقادتها الشباب بما علق بالمعارضة من شوائب خلال فترة حكم إمتدت لنصف قرن عبثت بكل المجتمع السوري وقلبت تكوينه الإجتماعي من خلال إبراز شخصيات من قاع المجتمع وتسييدهم بل وجعلهم حوامل ومرجعيات إجتماعية في أحيان كثيرة.

الخطأ الثاني الذي لا يقل كارثية عن هذا الخطأ هو عدم تقدير موقف الداعمين الأساسيين للنظام ومنطلقاتهم وجعلهم كلهم في صف واحد وبنفس درجة العداء وعدم تقييم دوافعهم تقييماً قويماً مبنياً على أسس علمية صحيحة تأخذ بعين الاعتبار مصالح كل طرف، فقد تم إنزال إيران منزلة روسيا التي تمتلك حق النقض في مجلس الأمن والتي لها ثقل مختلف تماماً في المنظومة الدولية، وتم رفض مبدأ عقد اجتماعات معها دون أي تقدير لجحم قوة المعارضة الحقيقي والذي ينبع من أصدقائهم الداعمين لهم والذين لا يمكن لهم بأي حال من الأحوال الوقوف في وجه روسيا لا في المحافل الدولية ولا عسكرياً.

وبعد أن أوصلتنا المعارضة لهذه النتائج وجب علينا أن نعيد تقييم المباديء التي انطلقت منها هذه الثورة المباركة ومن أهم هذه المباديء الحرية وبناء نظام عادل يتمتع أبناؤه بنفس المستوى من الحقوق والواجبات وهذا لن يتم إلا من خلال تغيير النظام والذي يتحمل المسؤولية كاملة عما وصلت له حال سوريا وشعبها.

في هذه المرحلة سيبدأ النظام وبعض عملائه المدسوسين بين صفوف المعارضة ببث سمومهم بغية تحويل أنظارنا والتشويش علينا من خلال خلط الأوراق مرة أخرى وهذه المرة من خلال الدخول في جدل تعريف النظام وهل هو تغيير رأس النظام أو تغيير أركانه أو تغييره مع أركانه وهل الصراع القائم صراع على السلطة وغير ذلك من جدليات ليس لها نهاية كجدلية البيضة والدجاجة، ولذلك فإننا ينبغي أن نكون متماسكين صفاً واحداً وتكون الكلمة العليا هي الكلمة الفارقة والجازمة والتي من الممكن أن يبنى عليها قرارات أممية غير قابلة للتلاعب.

الأجوبة على كل تلك الجدليات يجب أن تكون واضحة وضوح الشمس فلا يوجد في سوريا نظام بالمعنى الحرفي للكلمة ومن يحكم سوريا حقيقة هم عصابة طائفية يهمها بقاؤها في الحكم تحت أي ظرف وستحاول المستحيل من أجل ذلك وهم قلة قليلة يستمدون دعمهم من التناقضات الدولية حاشدين أبناء طائفتهم تحت شعارات طائفية، فالنظام هو بشار وبشار هو النظام ومن أجل تكريس هذه القاعدة استخدم أسد الأب رجال الدين العلويين الذين عكفوا على بناء صنم بيت الأسد عشرات السنين، والحقيقة أن هدم هذا الصنم وبناء وثن جديد هو هدم لكل نظامهم الذي حكموا البلد من خلاله، فبشار هو ذلك الحجر المقدس الذي وضعوه في منتصف رأس القوس فإن نزعته إنهار كل القوس ولن يستطيع أي شخص آخر لا من داخل الطائفة ولا من داخل النظام إعادة بنائه، وكل الدعوات التي نسمعها والتي تقول أن النظام مؤلف من تحالفات ومن شخصيات أمنية وما إلى ذلك هو كلام عاري عن الصحة تماماً فبمجرد خروج هذا الشخص من الحكم والذي تنعقد شريعة المجتمع الدولي عليه انهارت العصابة الحاكمة والتي تتألف منه وأخوه وابن خاله وعدة شخصيات أمنية لا تتعدى أصابع اليد العشرة.

كل الدعوات التي من الممكن أن تظهر خلال هذه الفترة يجب أن يكون الرد عليها حاسماً لكي يصل الصوت نقياً بدون شوائب لداعمي النظام فأي تسريب لإسم مقترح هو محاولة لسماع صوت الشعب وينبغي أن يرد عليه بصوت واضح جداً والجواب أي شخص أفضل من بشار أي شخص ولا ينبغي أن نؤتى مرة أخرى من المعارضة التي ستنطلي عليها الحيلة كما انطلت عليها حيل سابقة، وأخطر ما يمكن أن يطرح هو المحاصصة الطائفية وهو أمر مرفوض تماماً لأن أي نظام قائم على مبدأ المحاصصة هو مبدأ تكريس إبعاد الأكثرية عن الحكم او تقليص دورها وهذا أمر مرفوض تماماً فنحن نريد نظاماً قائماً على مبدأ الكفاءة لا على الطائفة وتاريخنا يشهد لنا بذلك فلا نحتاج لنصيحة من أحد فعندما وضع رجالات سوريا الأوائل دستور 1950 والذي يعتبر جميع المواطنين متساوون بالحقوق والواجبات و يعطي الحق للمرأة بالتصويت والانتخاب كانت معظم دول الغرب غارقة في عنصريتها ضد المرأة وضد جميع أقلياتها.

كل الخلافات ينبغي أن توضع جانباً في هذه المرحلة ويتم اتباع قاعدة واحدة إن أسوأ شخص في المعارضة أفضل من بشار أسد.

وطن اف ام 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى