دير الزورمقالات

أكرم البني – أميركيون لا تعنيهم المأساة السوريّة

أن يتساءل غاري جونسون، المرشح المستقل للرئاسة الأميركية: وما هي حلب؟! في رده على سؤال عن موقفه مما يجري في تلك المدينة المنكوبة!… أن يستفسر أميركيون كثر: وما هي سورية، خلال استطلاعات للرأي حول سياسة حكومتهم من الصراع المحتدم هناك، ولا يستدلون عليها إلا بصفتها بلداً يجاور إسرائيل أو العراق!… أن لا تهتم الشاشات الفضائية وكبريات الصحف الأميركية بالأحداث السورية إلا كأخبار عامة وتعليقات عابرة أسوة بكل الصراعات والأزمات التي يشهدها العالم!… هي حقائق تظهر حدود اهتمام الرأي العام الأميركي بالمأساة السورية، على رغم ما يثار عن القرية الكونية الصغيرة وثورة الاتصالات، وعلى رغم مرور أكثر من خمس سنوات على عنف دموي منفلت في البلاد، ثم دخول واشنطن في حرب معلنة ضد تنظيم «داعش» على الأرض السورية.

ولا يغيّر هذه الحدود الضجيج الإعلامي الذي يرافق عادة تعرُّض أحد الأميركيين للأذى في سورية، كحالة ذبح الصحافي جيمس فولي على يد تنظيم «داعش»، أو الاندفاع الموقت لمشاعر التعاطف الإنساني في حال فاض المشهد السوري بصور لا تُحتمل، كالمناظر المؤسفة لغرق نساء وأطفال سوريين هاربين من أتون الحرب، أوضحها صورة آلان الكردي الذي لفظه البحر على أحد الشواطئ اليونانية، وآخرها الطفل المصدوم عمران دقنيش بعد إخراجه حياً من بين الأنقاض!.

صحيح أن ثمة استراتيجية أميركية لإدارة الأزمات الدولية، ترسمها مؤسسات راسخة وتفرضها محصلة مصالح أهم النخب الاقتصادية والسياسية، في سياق حفاظهم على وزن واشنطن المهيمن ودورها الريادي، وصحيح أن ثمة اهتماماً عالمياً بالانتخابات الأميركية وبنتائجها ربطاً بما تملكه الولايات المتحدة، من قوة نافذة، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، تضعها في موقع اللاعب الأول وأحياناً المقرر، لمصير كثير من الصراعات الوطنية والأزمات الإقليمية. لكن الصحيح أيضاً، أن للرأي العام الأميركي دوراً مهماً في تحديد أولويات هذه الاستراتيجية وطرائق تنفيذها، بخاصة عندما يتعلق الأمر بحالات تؤثر بشدة في أمن الأميركيين وحياتهم وسمعتهم وشروط عيشهم.

ونسأل: ألم يناصر المزاج الأميركي جورج بوش في الوصول إلى سدة الرئاسة ويمكّنه من شن حروبه الاستباقية للانتقام من تنظيم «القاعدة» بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001؟! وقبلها، في الماضي الأبعد، ألم يشجع المزاج ذاته الرئيس فرانكلين روزفلت على الانخراط في الحرب العالمية الثانية رداً على تدمير الأسطول الأميركي في بيرل هاربر؟

ثم مَن ينسى كيف أفضى تبدُّل الرأي العام الأميركي بعد الهزيمة والأعباء التي تحمّلتها واشنطن في فيتنام إلى إكراهها على الانسحاب من هناك؟ وتالياً كيف أجبر الرأي العام نفسه، بعد حصاد مرير، كل مرشح للرئاسة على تبني خيار الانسحاب العسكري من أفغانستان والعراق ووقف السياسة التدخلية النشطة في الصراعات الدولية، كي يكسب أصوات الناخبين؟.

والقصد، أن الأميركيين الذين خرجوا من حروب خاسرة فاقمت أزمتهم الاقتصادية والاجتماعية، باتوا أكثر ميلاً اليوم الى الاهتمام بأوضاعهم الداخلية، بدليل أنهم في غالبيتهم لا يزالون يؤيدون بشدة سياسة أوباما التي أنقذتهم من ورطات الحروب والدور العسكري، ويُرجّح أن يقترعوا لمن يتبنى برنامجاً يلبي مطالبهم في تحسين ظروف حياتهم ومعالجة تنامي ظواهر التفرقة العنصرية بينهم، وليس لمن يثير مآسي الغير وآلامه، أو لمن يرغب في صرف أموال ضرائبهم في صراعات خارجية لا تؤثر في صورة مباشرة في أمنهم ومصالحهم.

واستدراكاً، من الوهم الرهان على نتائج الانتخابات الأميركية في إحداث تغيير سياسي نوعي تجاه سورية، فليس ثمة ما يؤكد في ظل المزاج القائم، أن مواقف أي رئيس جديد في البيت الأبيض ستختلف نوعياً عن مواقف أوباما، بل هنالك ما يشبه التصميم الأميركي الجمعي، على تجنُّب أي تدخل عسكري مباشر في الصراع السوري، وإدارة اللعبة من بُعد، وتكثيف الجهود لتحريك ملف إخماد العنف والمعالجة السياسية، أياً تكن التنازلات. وتحدو هذا التصميم أسباب كثيرة ومتضافرة، منها أن هناك مشكلات وأزمات عالمية أهم أمام البيت الأبيض ولا يمكن تأجيلها، أوضحها أولوية ردع أخطار صعود الصين كمنافس اقتصادي ومنازع على موقع الريادة، ومنها الحرص على عدم الدخول في مواجهة مع روسيا أو إحداث قطيعة مع إيران، بل توظيف حضور هذين الخصمين في المنطقة، كبعبع في مواجهة الكتلة العربية، لتطويعها وضمان استمرار حاجتها إلى واشنطن. فكيف الحال إن كانت هذه السياسة تتلاقى مع المصلحة الإسرائيلية في هتك المجتمعات المحيطة بها وتفكيكها، وتفيد في استنزاف الخصوم وإغراقهم في صراعات مفتوحة ومكلفة، واستثمار قدرات الجميع للنيل من الإرهاب الجهادي بعد تحوّل الساحة السورية إلى بؤرة جاذبة للقوى الإسلاموية المتطرفة؟

النتيجة أن ليس ثمة حل سحري للصراع السوري مع الرئيس الأميركي المقبل، ولن تخدع أحداً تصريحات المرشحين حول ذلك، والتي عادة ما تذهب أدراج الرياح بعد أن يعتلي أحدهم كرسي الرئاسة، ويكون مصيرها كمصير وعود أميركية كثيرة أطلقت حيال المحنة السورية، وذهبت كلها هباءً منثوراً.

وما دامت السياسة الأميركية تُبنى استناداً الى موازين القوى ومصالحها وضغط الرأي العام، لا تبعاً للرغبات والأمنيات، يفترض بالطامحين الى تفعيل الجهود الدولية وإنضاجها لتخفيف المأساة السورية، العمل لبناء عناصر داعمة، إن عبر بلورة بديل ديموقراطي مقنع ويحوز الثقة للمشاركة في وقف العنف وقيادة عملية التغيير، أو عبر إبداع خطط مثابرة لتعميم معاناة السوريين وتحويل ما يتراكم من تعاطف إنساني إلى وسيلة ضاغطة على صناع القرار، في رهان على شعوب تشاطرنا العديد من الهموم والقيم الإنسانية، ولها حقوق يمكن أن تقرر في بلدان تستند إلى إرادة الناخب في اختيار حكامها وإجبارهم على تغيير سياساتهم… شعوب لعبت دوراً مهماً وأحياناً حاسماً في نصرة قضايا كبيرة في الجزائر وفيتنام وجنوب أفريقيا وغيرها.

المصدر : الحياة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى