كثيرة هي المعلومات، والمعطيات، والتحليلات عن “سيناريوهات” لإقامة كيانات سورية متعدّدة، والسؤال الذي يوجّه إلينا، بوصفنا معارضين سوريين: ما هو موقفكم من تقسيم سورية؟ وماذا أعددتم لمواجهة هذا المخطط؟
طرح “تقرير راند” الذي أعدته مجموعة من العاملين السابقين في الخارجية الأميركية، أفكاراً تتمحور على إقامة أربعة كيانات، أو مناطق نفوذ، هي: النظام، والمعارضة، والأكراد، ومناطق سيطرة داعش التي رجّح خضوعها للنفوذ الأميركي.
يشير المتواتر في هذه الفترة، وبعض المرتسمات على الأرض، إلى نوعٍ من تفاهمات مباشرة، أو بالنتيجة، بين عدد من القوى والجهات الإقليمية والدولية، فهناك منطقة النفوذ الروسي – الإيراني، وهي التي يقال إنها كيان، أو دولة النظام، أو ما تعرف بـ “سورية المفيدة”، وتمتد من الساحل السوري، مروراً بحمص، إلى جنوب دمشق “قليلاً أو كثيراً”. ويرتبط هذا القليل والكثير بمصير كلٍّ من حوران والجولان وجبل العرب، حيث تتفاوت التقديرات بين أن تكون جزءاً من سورية المفيدة تلك، وإيجاد صيغ من المصالحات الداخلية لنوع من إدارات ذاتية.
أما منطقة النفوذ التركي، أو مناطق سيطرة المعارضة فتمتد من شمال حماة، وربما حماة ضمنها، إلى إدلب، وأجزاء كبيرة من حلب. وهناك خلاف واسع بشأن مصير حلب. هل ستتبع كلها للمعارضة؟ أم ستشهد تقسيماً أشبه بتقسيم بيروت إبّان الحرب الأهلية، أي حلب الغربية وحلب الشرقية، مع امتدادات هنا وهناك للجهتين؟
منطقة النفوذ الأميركي هي التي سترث المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وخصوصاً الرقة، وصولاً إلى دير الزور. وما يقال إن التفاهم عليها ليس تامّاً، بل وقابلاً للمساومة، وينتظر بدء ما يعلن عنه بـ “تحرير الرقة”، وأدوار الأطراف التي ستشارك.
تبقى المناطق التي يوجد فيها الأكراد بكثافة، وهي خاضعة لنوعٍ من الحكم الذاتي الذي تشرف عليه التنظيمات الكردية، خصوصاً حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) ومليشياته، مع إشراك بعض العرب والتركمان والآشوريين.
هذه الحالة المنافية لجميع القرارات الدولية، خصوصاً بيان جنيف 1، وتطوراته، بما في ذلك لقاءات فيينا 1، وفيينا 2، وقرار مجلس الأمن 2254، وما تلاه من لقاءات ومشاريع، نصّت جميعها على وحدة سورية، كياناً سياسياً ومجتمعياً، بغض النظر عن الانزياحات التي حصلت بشأن موقع الهيئة الحاكمة الانتقالية وصلاحياتها، وجوهر العملية السياسية، والموقف من رأس النظام ومدة بقائه، وصلاحياته. وتطرح هذه الحالة أسئلة خطيرة عن مآل المسألة السورية، وما يمكن أن تشهده من تطوراتٍ مخالفةٍ لطموحات السوريين بأغلبيتهم الساحقة، وعلى اختلاف مواقفهم، إذ أن الخوف كبير من قيام حالات الأمر الواقع، من دون حاجةٍ لترسيم معلن.
علينا الاعتراف بأن المسألة السورية التي دُوّلت، ودخلت على خطها مجموعة أطراف متنازعةٍ بمشاريعها، مع قابليةٍ على التفاهم والمساومة، تتجاوز اليوم قصة الثورة ومصيرها، والحلول السياسية بشتى ألوانها التي تعمل على تحويلها إلى مسألة نزاعاتٍ بين أطرافٍ كبيرة، ودول عظمى مثل روسيا والولايات المتحدة الأميركية، وتوزع النفوذ بين دول إقليمية وخارجية، بواقع غياب دور السوريين، معارضة ونظاماً في التأثير، والقرار، والمصير.
السؤال الكبير الآن: هل يمكن للسوريين أن يذعنوا للمفروض عليهم، والذي قد يتجلى بإعادة إنتاج اتفاقية سايكس بيكو بطريقة أكثر تهشيماً، وتفتيتاً؟ أم أن لديهم ما يقولونه ويفعلونه؟ ولئن كان نظام الأسد المسؤول الرئيس عن هذا المسار، وما يمكن أن يسفر عنه من مآلاتٍ، قد فقد قراره الخاص، وهو يستنجد بإيران، وعشرات المليشيات الطائفية، وهو يستقدم روسيا قوة احتلال، وهو الموعود ببقائه، بشكلٍ ما، على جزء مهمٍ من بلادنا، فماذا سيكون موقف (ودور) قوى المعارضة السورية، السياسية منها والمسلحة؟ هل تملك قوى المعارضة أوراقاً وقدرة على تغيير المعادلة، وفرض نفسها لاعباً مهماً فيها؟ أم ستبقى تدفن رأسها في رمال المعهود، والاكتفاء بدورٍ محدود، عاجز عن فعل المطلوب، والحيوي؟
أرى أنه، وعلى الرغم من عوامل الضعف والسلب، والتشتت وعدم وحدة الفصائل المسلحة المنتسبة إلى الجيش الحر، وعدم الوحدة بين السياسي والعسكري، فإن لدى الثورة السورية إمكانات كثيرة يمكن تنظيمها وتوظيفها في معركة الوجود، خصوصاً حين تعود إلى حواضنها الطبيعية: الشعب الذي يقدّم أغلى التضحيات، والمستعد للذهاب في المقاومة والصمود والتحمّل، حتى تحقيق الأهداف التي ثار لأجلها. وحدة فصائل الجيش الحر اليوم مهمة ملحّة، يجب إنجازها، كما أن تناغم السياسي والعسكري، وفق برنامج عمل موحد، أساس لمواجهة التحديات، والإسهام باعتباره شريكاً فاعلاً في الحل السياسي، أو سواه.
المصدر : العربي الجديد