الأضواء التي سلطها قائد جيش الإسلام زهران علوش منذ يومين على النشاط الأردني المتعلق بملف جنوب سوريا قد يكون له ما يبرره بالنسبة لعلوش الذي يسعى للمركز المتصدر داخل الحسابات السياسية الإقليمية وتحديدا في دول الجوار رغم أنه، من وجهة نظره، يتزعم الفصيل الأهم في مساحة الاشتباك مع النظام.
بالنسبة للأردنيين تنشيط شبكة الاتصالات مع قيادات في مجتمع درعا المحاذية للرمثا الأردنية مسألة معزولة عن سياقات الصراع والمنافسة بين الفصائل العسكرية وهي كما أفاد مسؤول كبير تخص الأمن الحدودي والقومي الأردني في ظل الانفلات المتنامي في الطرف الآخر ولا يمكن التعامل معها باعتبارها مسألة فصائلية أو سياسية من حيث المبدأ.
الأردن بهذا المعنى يتخذ احتياطات أمنية تخص حدوده المكشوفة أمنيا مع سوريا والسلطات السيادية في عمان لا زالت تتحرك ضمن استراتيجية دفاعية ذاتية قوامها يتجاوز البعد العسكري المباشر باتجاه ما يسميه الناطق الرسمي الدكتور محمد المومني بالحرص على بقاء مشكلات سوريا وراء حدود الأردن.
في التفصيلات يعتبر مسؤولون أردنيون بأن أي اتصالات تتفاعل أو يمكن أن تتفاعل مع مجتمع درعا وتحديدا مع مشايخ وقادة عشائر محافظة درعا المحاذية مسألة أردنية بامتياز وتختص بالأمن الأردني ولا علاقة لها بالنظام ولا بحسابات الفصائل العسكرية.
بالقياس نفسه تطلبت استراتيجية الدفاع بعمق داخل درعا أردنيا البقاء على اتصال ناشط مع رموز المجتمع المحلي في درعا والعمل بالتوازي مع المجتمع الدرعاوي وفصائل المعارضة الموجودة والمجتمع الدولي على تمكين اهالي المنطقة من سبل الخدمات التي تمنع هجرتهم إلى الأردن وبالتالي تحد من حركة النزوح واللجوء السورية باتجاه الأردن.
الأمر بهذه الحسابات تطلب اتصالات فنية تحت عنوان تنظيم شؤون اللاجئين مع الإئتلاف السوري الذي يضعف دوره وحضوره في الكيانات الموازية، كما تطلب إجراء بعض التواصل مع الجيش السوري الحر لأغراض تنظيم نقاط العبور، خصوصا بعد تزويد نقاط الحدود بين الأردن وسوريا بأحدث تقنيات الرادار المقاتل بحيث لا تتمكن على حد تعبير وزير أردني ولو «حشرة» من العبور إلى الأرض الأردنية بدون رصدها.
عندما يتعلق الأمر باللاجئين يجري الأردنيون بعض الاتصالات مع الفصيل المسيطر على نقاط الاشتباك الحدودي ونقطة الحدود الرسمية ما يبقي عمان على إتصال مع الجيش السوري الحر.
أما عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي الأردني وفي ظل اقتراب تنظيم داعش من محورين من الحدود الأردينة وهما السويداء وصحراء تدمر فتصر عمان على ان الاحتياطات الدفاعية، هنا حصريا ينبغي ان تكون واسعة النطاق ولا تنطوي على اي مجاملات من أي نوع لأي طرف ومبنية فقط على الفهم الأردني للاحتياجات الأمنية.
هنا حصريا أعلن الأردن رسميا ومنذ شهرين تقريبا أنه سيعمل على تأهيل وتسليح مقاتلين من عشائر درعا في إطار مهام التصدي للإرهاب، والمقصود بصفة خاصة تنظيم داعش وذلك ضمن إستراتيجية إبقاء المشكلات والتحديات الأمنية في عمق الأرض السورية قدر الإمكان.
الواضح اليوم أن الإستراتيجية الأردنية تحظى بدعم أطراف فاعلة دوليا ولا يمكن الاعتراض عليها إقليميا وقانونيا وأخلاقيا، وإن كان النظام السوري يهاجمها بين الحين والآخر عبر تكثيف جرعات الاتهام للأردن برعاية عمليات تسلل للإرهابيين.
وهي تهمة يتعامل معها رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور بصورة ساخرة وهو يؤكد على إستراتيجية بلاده الوقائية.
ما يبدو عليه الأمر ان الأردن يريد ان يتلمس ذاتيا طرقه الوقائية في عمق أراضي محافظة درعا ويتجاهل التقديرات والحسابات الفصائلية، مما يدفع مجموعة علوش لتدشين حملة مخاصمة للتكتيك الأردني وبصورة نقدية لاذعة عبر الهجوم على الأردن والادعاء بأنه يقيم اتصالات مع معارضين سوريين ومشايخ في درعا برعاية أمريكية.
بالتوازي أخفق الائتلاف السوري ورغم زيارة أقطاب له لعمان مؤخرا في إيجاد مقعد على طاولة التفاوض مع المستوى السياسي أو حتى المستوى الأمني الأول في عمان ليس بسبب انقلابات محتملة للموقف الأردني، ولكن بسبب موقع وحضور مؤسسة الائتلاف على الأرض.
على الأساس السابق يمكن فهم الهجوم المباشر لمجموعة علوش على الأردن وضعف التنسيق الأردني مؤخرا مع الائتلاف.
المصدر : القدس العربي