انقسم الفنانون السوريون حيال الثورة السورية التي حصلت في بلدهم، ما بين فريق أيّد الانتفاضة ومطالبها، وفريق وقف مع النظام، وفريق التزم الصمت. ويشير تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان الصادر أخيرا، إلى تعرض الفنانين من الفريق الأول، لأنواع من الانتهاكات، أما المؤيدون فحظوا بالتأييد المادي والمعنوي، وتمت الاستعانة بهم في حملات تشويه وتخوين زملائهم، إضافة إلى الترويج للانتخابات الرئاسية، وغير ذلك من المناسبات والحملات الإعلامية الداعمة للسلطات.
وقد شارك فنانو سوريا المعارضون في الحراك السلمي بقوة في السنتين الأوليين من انطلاق الثورة السورية، واتسم معظم حراكهم في المظاهرات السلمية، أو بمشاركة الأهالي تشييع ضحايا قتلوا على يد قوات الأسد .
ويذكّر التقرير أن المشاركة الأولى كانت عند إصدار بيان إنساني، طالب بإيصال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء وحليب إلى أطفال درعا المحاصرة من قبل قوات النظام ، أطلق عليه اسم بيان الحليب، بتاريخ 29 أبريل (نيسان) 2011، وكان من ضمن الموقعين عدد كبير من الفنانين، من بينهم ريما فليحان، ومنى واصف، ويارا صبري، وماهر صليبي وكندة علوش وغيرهم، ووصل عدد الموقعين عليه حينها من جميع الفئات والتوجهات السياسية إلى ما لا يقل عن 1200 موقّع. وقد قوبل البيان البسيط بالعنف والقسوة من قبل السلطات السورية، وبدأت حملة أمنية واسعة شملت اعتقالات وطردا من الوظائف، وضربا لبعض الموقعين على البيان.
أما العلامة الأبرز لمشاركة الفنانين فكانت في مظاهرة سميت بـ«بمظاهرة المثقفين» يوم الأربعاء 13/7/ 2011، وقبل أن تنطلق بدقائق من حي الميدان أمام جامع الحسن في دمشق، تم اعتقال 19 فنانًا ومثقفًا، من ضمنهم مي سكاف، والأخوان ملص، والكاتبة ريما فليحان، والكاتبة يم مشهدي، والصحافي إياد شربجي وغيرهم، ثم أُفرج عنهم بعد 4 أيام، كما تعرض عشرات الفنانين والمشاركين للضرب والتهديد.
ووثق تقرير الشبكة مقتل 22 فنانًا، منهم 14 فنانًا قتلوا على يد قوات النظام ، بينهم 4 قضوا بسبب التعذيب في مراكز الاحتجاز، كما قتل 4 فنانين على يد فصائل المعارضة ، وفنان واحد على يد تنظيم داعش، بينما قتلت مجموعات مسلحة لم يتمكن التقرير من تحديد هويتها 3 فنانين.
كذلك تم توثيق57 حالة اعتقال لفنانين، 50 منها من قبل قوات النظام ما زال 9 منهم قيد الاعتقال، بينما وثق التقرير حالتي اختطاف على يد فصائل المعارضة تم الإفراج عنهما، واختطف تنظيم داعش فنانًا واحدًا، بينما اختطف تنظيم جبهة النصرة فنانين اثنين تم الإفراج عنهما لاحقًا، وقد سجل التقرير حالتي اختطاف على يد مجموعات مسلحة لم يحدد هويتها.
ومن الفنانين الذين اعتقلوا على يد النظام، سمر كوكش خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية التي اشتهرت بدبلجة أصوات الشخصيات الكرتونية، وقد أصدرت محكمة الإرهاب في دمشق، حكما بحقها بالسجن خمس سنوات. والفنانة ليلى عوض التي اعتقلت أثناء عودتها إلى البلاد على الحدود اللبنانية السورية، وأفرج عنها بعد شهور من الاحتجاز.
ووفق التقرير فإن العامين 2011 و2012، هما الأسوأ من حيث حجم الانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق الفنانين، ويعود تراجع حجم العنف والجرائم المرتكبة بحقهم منذ بداية عام 2013 حتى الآن، لأسباب عدة، منها: انحسار دورهم في الحراك المدني، واضطرار معظمهم للهرب خارج البلاد، والتزام بعضهم الآخر الحياد والصمت. وسعت الحكومة مع مؤيديها من فنانين ومنتجين ومؤثرين في الحقل الفني إلى التضييق معنويًا وماديًا على الفنانين المناهضين للسلطات، إضافة إلى الحملات الإعلامية المكثفة ضدهم. وحال ظهور وانتشار فصائل مسلحة متشددة تحمل فكرًا متطرفًا في كثير من المناطق التي خرجت عن سيطرة القوات الحكومية، دون لجوء الفنانين إلى تلك المناطق وممارسة نشاطهم المدني والفني بحرية، كون تلك الفصائل تنظر إلى الفن على أنه مخالف لمنهجها.
المصدر : الشرق الاوسط