رأى مراقبون أن ما تشهده الأراضي السورية، لم يعد مجرد قتال بين قوات النظام والمعارضة، بل أصبحت ميداناً لحرب دولية خاصة، تصبّ فيها مخرجات دهاليز السياسة الدولية، وتستقطب إليها فصائل مسلحة لخوض صراع أيديولوجي، وتتدخل في أزمتها أطراف دولية بأجندات مختلفة.
آخر فصول التدخل الخارجي في الشأن السوري، تمثل، بحسب هؤلاء المراقبين، في التصعيد المعلن الذي تمارسه روسيا، بإصرارها على زيادة الدعم العسكري للنظام السوري، وإدماج الأسد ضمن أية تسوية سياسية محتملة.
وفي حديث مع الأناضول، قال أنور مالك، الحقوقي والمراقب الدولي السابق في سوريا: “التصعيد الروسي الأخير، الذي صار معلناً، جاء في ظرف استثنائي، من حيث اعتبارات عديدة، منها وضع نظام بشار الأسد، الذي بات حرجاً للغاية، وخسائره لا تزال مستمرة، وقد تحدث المفاجأة في أية لحظة باقتحام قوات المعارضة للقصر الرئاسي”.
وربط مالك بين ما أسماه “زيادة الدعم الروسي، وفشل الوساطة الروسية بين الرياض ودمشق، ما يعني إخفاق موسكو في تليين الموقف السعودي من الأسد”.
يشار أن السعودية ترحب بالحل السياسي للأزمة السورية، غير أنها ترفض أن يكون الأسد جزء من أية تسوية سلمية، وهو الذي تصر عليه موسكو.
وبسؤاله حول علاقة موقف موسكو الحالي بما يُسمى بـ”خطة تقسيم سوريا”، أضاف مالك: “التقسيم موجود في المخيلة الروسية، لكنه سيكون الورقة الأخيرة، التي تخرجها روسيا بغية حماية مصالحها، حال وجدت نفسها ستخرج المنطقة خالية الوفاض”.
واختتم المراقب الدولي السابق حديثه بقوله: “ما يحدث له علاقة بمخاوف موسكو من السقوط المفاجئ للنظام قبل أن تأخذ نصيبها من الكعكة السورية، إضافة إلى أن (الرئيس فلاديمير) بوتين، يستخدم الأسد كورقة ضغط على الأطراف الدولية، بغية تحقيق أكبر قدر من المكاسب”.
من جهته، قال علاء الدين نصار، القائد الميداني في كتائب “أنصار الشام” المعارضة، إن “التواجد الروسي في سوريا ليس جديداً، إلا أن موسكو عززت وجودها، بعد خروج مساحات واسعة من الأراضي السورية عن سيطرة الأسد”.
وأضاف في حديث مع الأناضول: “روسيا بدأت تبحث عن مخرج، حيث تحرص على أن يظل لها في البحر المتوسط موطئ قدم، على غرار شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، فزجّت بقواتها البرية، وكثفت تواجدها قبل شهرين ونصف”.
وتحدث نصار عن اندلاع معركة بين فصائل الجيش الحر، وقوات النظام، في محيط قمة النبي يونس (ريف اللاذقية)، أمس الأول الأحد، مشيراً إلى أن الصحف الروسية نعت “قتيلين روسيين”.
وبحسب القائد الميداني، “تم استهداف مطار حميميم (الواقع بين مدينتي جبلة واللاذقية)، الذي أُنزلت فيه قوات المشاة الروسية، بصواريخ غراد، وأنه تم استقدام غواصتين، تقلان 600 جندي من مشاة البحرية الروسية، تم إنزالهم في طرطوس”.
وقبل يومين، نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان، على موقعه الإلكتروني، صور من إدعى إنهم “روس يعملون على توسعة مطار الحميدية الزراعي، جنوب طرطوس، فيما شهد مطار حميميم الأسابيع الأخيرة قدوم طائرات عسكرية محملة بمعدات عسكرية، ومئات المستشارين العسكريين والخبراء الفنيين الروس”.
بدوره، قال اللواء متقاعد فايز الدويري، الخبير الاستراتيجي والعسكري السوري: “تردد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في اتخاذ قرار استراتيجي، يدعم ما كان يصرح به، بأن الأسد فقد شرعيته، وتردده رغم حشد القوة المطلوبة عقب استخدام النظام السلاح الكيماوي عام 2013، كل ذلك وغيره، أعطى بوتين مؤشراً واضحاً أن الغرب لن يقدم على اتخاذ أية إجراءات فاعلة ضد روسيا في الملف السوري تحديداً”.
وعزا الدويري تدخل موسكو في سوريا، إلى “بحثها عن موطئ قدم في المياه الدافئة، كما أنها تعمل على منع سقوط الأسد لأنه الضامن الوحيد لمصالحها”، معتبراً أن “سقوط الأسد يعني انتصار المحور السني، الذي يبدأ من الحجاز وينتهي في “غروزني”، ما يعني عودة آلاف المقاتلين الشيشان، وإطلاق ثورة إسلامية جديدة تفكك روسيا”.
وحول توقعاته لحدود التدخل الروسي في دمشق، تابع الخبير العسكري: “حتى اللحظة لا أتوقع تدخلاً روسياً مفتوحاً، لكن الأمور تتطور بسرعة، وما يؤثر في اتجاه حركتها، ردة الفعل الأمريكية والأوروبية، ودول الإقليم الفاعلة”.
وفيما يتعلق بموقف القانون الدولي، والأمم المتحدة، من التدخل الروسي في سوريا، قال وسام الدين العكلة، أستاذ القانون الدولي، إن “أهم المبادئ التي يقوم عليها ميثاق الأمم المتحدة، هو عدم التدخل في شؤون الغير”.
وأضاف في حديثه للأناضول: “لا يوجد أية اتفاقية دفاع مشترك بين موسكو ودمشق، هناك عقود لاستخدام جزء من مرفأ طرطوس، وهذا العقد لا يخول روسيا في استخدامه لتدخل أو إنزال عسكري”.
وفي معرض رده على سؤال، حول ما إذا كان التدخل الروسي، يعتبر احتلالا وفق القانون الدولي، أوضح العكلة، أن “تعريف الاحتلال وفق المادة 42 من لائحة “لاهاي” عام 1907، تعتبر أرض الدولة محتلة، حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو”.
وأردف أستاذ القانون الدولي: “رغم إقرار الروس بوجود خبراء ومستشارين لهم في دمشق، إلا أن ذلك لا يعتبر احتلالاً وفق القانون الدولي، لكنه تدخل عسكري لصالح طرف معين، يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة، التي تؤكد على حفظ السلم والأمن الدوليين بالطرق السلمية”.
كما حذر العكلة من تداعيات التدخل الروسي “حيث سيكون مبرراً للجماعات الجهادية لتصعيد عملياتها في الدول، التي تتبع موسكو بشكل أو بآخر”.
ورأى أن أي تدخل روسي عسكري موسع “سوف يعدّ احتلال، مدللاً على ذلك بـ “اعتبار التدخل الروسي في أفغانستان في الثمانينيات على أنه احتلال”، مشيراً إلى أنه سيكون لهذا التدخل انعساكات خطيرة على المنطقة بشكل عام، إضافة إلى آثار قانونية تتمثل بموقف مجلس الأمن، ومن قِبل الدول التي تتقاطع مصالحها مع الدولة السورية”.
وكانت تقارير إعلامية، تحدثت قبل أيام، عن دعم روسي لنظام الأسد، بالجنود والطائرات، وتزامن ذلك مع صور تداولها ناشطون سوريون، على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر ما قالوا عنها إنها طائرات حربية روسية وجنود، في سوريا، دون تحديد مكانها بالضبط. وجاءت هذه التقارير والصور، في الوقت الذي تحدث فيه ناشطون، عن إدخال جنود روس إلى معسكرات النظام، وإسكانهم بمنازل في ريف دمشق، ومنطقة الساحل.
وفي تعقيب لها لاحقاً، أعلنت واشنطن على لسان متحدثة باسم البيت الأبيض، أنها تراقب عن كثب تقارير تتحدث عن قيام روسيا بإرسال طواقم عسكرية وطائرات إلى سوريا، محذرة من أن دعم نظام الأسد “يزعزع الاستقرار وغير منتج”.
أما موسكو، فقد نفت من جانبها هذه التقارير، وقالت على لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها، ماريا زاخاروفا، إنه لا صحة لما تتناقله وسائل إعلام غربية، حول تغيير مزعوم في موقف روسيا، بشأن الحلّ المطلوب للأزمة السورية.
وقالت زاخاروفا في مؤتمر صحفي، إن “روسيا كانت، ولا تزال، وستبقى مع التنفيذ الكامل، وغير المشروط لمبادىء إعلان جنيف-1في 30 حزيران/يونيو 2012 بخصوص سوريا”.
غير أنها أكدت على أن بلادها “لا تنكر ولا تخفي تزويدها حكومة دمشق بالسلاح، والعتاد الحربي، لمساعدتها في مكافحة الإرهاب”.
المصدر : الأناضول