في مرأب بسهل البقاع اللبناني يملؤه غبار أخضر وأكوام من الحشيش تقف امرأة وصبي عمره 13 عاما يغربلان أغصان المحصول الأخير وبراعمه.
والمرأة والصبي من اللاجئين المسلمين من محافظة الرقة معقل تنظيم داعش في سوريا. والاثنان من عائلة كبيرة العدد تضم نحو 25 شخصا هربوا في السنوات القليلة الماضية وأصبحوا يقيمون في خيام في قرية لبنانية حيث الأمان النسبي.
رحلت المرأة ذات التسعة والعشرين عاما التي امتنعت عن ذكر اسمها خوفا على سلامتها قبل شهرين ومعها أصغر أبنائها في الخامسة للانضمام إلى أفراد عائلة من أبناء عمومة وجدود. وترتدي النسوة وأقاربهن ما تغطي به وجوههن للوقاية من المحصول أثناء العمل في الحقول.
وكان مهاجرون سوريون يقومون بهذا العمل منذ سنوات عديدة حيث يقضون بضعة أشهر كل عام في المنطقة قبل العودة إلى بلادهم.
ويقول لاجئون إنه منذ ظهور تنظيم داعش أصبح هذا العمل مهمة يمكن أن تعرضهم وأسرهم الذين يعيشون في سوريا لمخاطر شتى قد تصل إلى الإعدام لأن العمل في مجال المخدرات أو الكحول أو تناولها محرم. وتقول لاجئة اسمها عائشة وعمرها 15 عاما “لو علمت تنظيم داعش أننا نعمل في الحشيش لمزقونا أربا.”
وتحدثت هند وهي لبنانية تملك أرضا عن العلاقات القديمة بين الرقة وسهل البقاع الذي يمثل واديا خصبا فسيحا في وسط لبنان. وتقول هند “المزارعون من الرقة يأتون للعمل في حقولنا خلال موسم الحصاد في السنوات الثماني الماضية.”
غير أنها أضافت أن اللبنانيين ينظرون إلى السوريين بارتياب منذ ظهور داعش. وتقول المرأة السورية إنها كانت تزرع القطن في أرضها التي تبلغ مساحتها عشرة أفدنة في الرقة وإنها كثيرا ما تقابل مشاعر عنصرية من سكان البقاع.
وتضيف أن سكان القرى اللبنانيين أحيانا ما يطلقون على السوريين لفظ (داعش) في إشارة إلى التنظيم. وتقول إنه رغم أن ذلك يبدو من قبيل الفكاهة فهي تعتقد أن بعض اللبنانيين ينظرون بحرص للمهاجرين السوريين من الرقة بسبب ارتباط المنطقة التي جاءوا منها بتنظيم داعش.
ومن الممكن أن تدر زراعة الحشيش أرباحا كبيرة على أصحاب الاراضي رغم أنها نشاط مخالف للقانون في لبنان. وقال صاحب أرض يزرع الحشيش اسمه شريف “أي عمل في لبنان يحقق لك 700 دولار شهريا. لكن العمل في المخدرات يمكن أن يجلب لك 10000 دولار يوميا.”
وتحصل المرأة على 16 دولارا يوميا من عملها في فرز الحشيش وهو ما يسمح لها بإرسال بعض المال إلى عائلتها في الرقة.
وتقول المرأة أيضا إن الإقامة في لبنان منحتها هي وغيرها من اللاجئات قدرا من الحرية لم يكن متاحا لهن في سوريا.
وتضيف المرأة التي ترتدي بنطالا من الجينز وقميصا طويلا وتضع غطاء رأس “في الرقة علي أن أغطي جسمي حتى القدمين.
وحتى عيني ليس مسموحا بظهورهما. وإذا خرجت بما أرتديه الآن سأتلقى بضع جلدات” من أنصارداعش.
وتقول إنها لا تتوقف عن التفكير في أفراد أسرتها الذين مازالوا في سوريا وهي تحصد القنب وتقوم بفرزه. وهي تهدف لإخراج زوجها وابنها الآخر من سوريا للحاق بها.
وتابعت “كان الهروب من الرقة صعبا فعلا.” لكنها رفضت ذكر تفاصيل عن كيفية الهروب وأضافت أن الرحلة استغرقت خمسة أيام كان جانبا كبيرا منها سيرا على الأقدام.”
وقالت “كل ما أريده الآن أن يحضر زوجي وابني إلى هنا”.
المصدر : رويترز