قال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إنه لا يمكن البدء بمرحلة انتقالية في سوريا من دون تحييد المسؤولين عن مراكز الاعتقال والموت، مبديًا صدمته من “بيروقراطية الموت” لدى أجهزة الأمن السورية، التي كانت توثق حالات التعذيب والموت بدم “بارد”.
وشدد حوري، وهو أيضا مدير مكتب “هيومن رايتس ووتش” في بيروت، في مقابلة خاصة مع الأناضول، على أن عمليات تعذيب المعتقلين حتى الموت لدى نظام الأسد لا تتم “في غرفة مغلقة”، وإنما بدراية كاملة من مسؤولي الأجهزة الأمنية، بل وفي مشافٍ عسكرية على سفح التلة، التي يقع عليها قصر بشار الاسد.
وأصدرت المنظمة، قبل أيام، تقريرًا مرفقًا بفيديو بعنوان “لو تكلم الموتى: الوفيات الجماعية والتعذيب في المعتقلات السورية”، كان لحوري دور أساسي في إعداده وإجراء المقابلات، يحكي قصص بعض الضحايا، الذين ماتوا في معتقلات الأسد وظهروا في صور المنشق العسكري “قيصر”.
واستغرق البحث لإعداد التقرير 9 أشهر، لمعرفة أسماء الضحايا وظروف احتجازهم المرعبة، من خلال مقابلات مع معتقلين سابقين ومنشقين وأقارب الضحايا، بالإضافة إلى تقنيات الطب الشرعي وتحديد المواقع الجغرافية.
وعثرت “هيومن رايتس” على 33 من أقارب وأصدقاء 27 ضحية تحقق باحثون من حالاتهم، و37 معتقلا سابقا رأوا أشخاصا يموتون في المعتقلات، و4 منشقين عملوا في المعتقلات الحكومية أو المستشفيات العسكرية السورية، حيث التُقط معظم هذه الصور، وأجرت مقابلات معهم.
وفي آب/أغسطس 2013، سرّب عسكري منشق لُقّب بـ “قيصر” 53275 صورة إلى خارج سوريا، حصلت عليها “هيومن رايتس”، وهذه الصور تظهر ما لا يقل عن 6786 معتقلا ماتوا إما في المعتقلات، أو بعد نقلهم من المعتقلات إلى مستشفى عسكري، هو تحديدا المستشفى 601 في منطقة المزة في دمشق.
وأوضح حوري أنه “كان هناك دافعان أساسيان (لاصدار التقرير)، الأول أن النظام حوّل هؤلاء الأشخاص إلى أرقام.
سحب منهم أسماءهم، بل وحتى في الصور حولهم إلى أرقام. لذا اعتبرنا أنه يجب أنسنة هؤلاء الأشخاص وإعادة الهوية لهم،لأنهم ليسوا ضحايا فقط، بل هم أبناء أو أزواج أو آباء”.
وأضاف أن الدافع الثاني هو أنه “بعد صدور أول تقرير عن صور قيصر، كان هناك تصريحات لـ بشار الأسد، ورئيس الوزراء الروسي (ديميتري) ميدفيدف، تشكك بالصور وإن كانت لأشخاص حقيقيين أو توفوا فعليا في معتقلات النظام، فقررنا أن أفضل طريقة للإجابة على ذلك تكون بأن نخبر قصص عدد من هؤلاء الأشخاص”.
وقال: “استطعنا أن نعطي وجوها وأسماء لعدد من هؤلاء وليس كلهم”، ولافتًا أن أعداد المعتقلين والمخفيين قسرا لدى لنظام “مرتفعة جدا جدا وصور قيصر تعطينا فقط عينة عن هذه الأعداد، ذلك أنها محصورة بمستشفيين عسكريين في دمشق يعدان الأهم”.
وأضاف أنه بحسب قوائم الهيئات السورية المعنية بحقوق الإنسان “هناك عشرات الآلاف (المعتقلين لدى لنظام والمخفيين قسرا) وليس لدينا من رقم محدد لأن أهل بعض المفقودين يخافون أن يصرحوا بذلك، وهنك بعض الأهالي ممن تركوا سوريا ولا يتواصلون مع أي جمعية او هيئة، وهناك أناس اعتقلوا وأفرج عنهم لكن لم يعلنوا عن أنفسهم بعد”.
وقال حوري إنه، حتى الآن، ليس من وثائق تجزم بتلقي الأجهزة الأمنية أوامر من الدوائر السياسية في سوريا لتنفيذ هذا التعذيب حتى الموت، لكنه أكد أن “من الواضح جدا أن هذه الحالات لم تحصل في غرفة مغلقة دون أن يعرف بها أحد.
هؤلاء الأشخاص كانوا يموتون. كان القائمون على الأجهزة الأمنية على دراية كاملة بالموضوع. ذلك أنه كانت هناك أوامر وقوائم يومية للجثث”.
وأضاف: “هناك بيروقراطية اسميها بيروقراطية الموت، بمعنى أن تصل جثة إلى المستشفى العسكري، ويتم إرسال أمر إلى الشرطة العسكرية، لكي ترسل أحد عناصرها ليصور الجثث، ثم يصدر أمر ثانٍ لنقل هذه الجثث ودفنها في مكان ما لم يحدد بعد.
كل هذا كان يتم ضمن إجراءات روتينية وأوامر، ولم يكن ذلك بأمر خاف على أحد. الصادم في هذا الموضوع أن هذه الجثث كانت موجودة في مرأب المستشفى العسكري 601 في المزة، هذا ليس مكانًا وسط الصحراء، لكن في قلب دمشق، إلى جانب أحد الطرق الرئيسية ومباشرة على سفح التلة الموجود عليها المقر الرئاسي”.
وشدد على ضرورة كشف قصص الضحايا “كائنا من كان الجلاد، وأن نعيد وضع الاهتمامات ضمن إطار يؤدي إلى حماية المدنيين في سوريا أولا، لذا فموقفنا أن أي خطة لسوريا لا تهتم أولا بحماية المدنيين هي خطة ستفشل في النهاية. ليس هناك من مانع من مواجهة داعش وانتهاكاته المرعبة، وفي الوقت نفسه مواجهة انتهاكات يقوم بها أي طرف ثانٍ في سوريا، خاصة أننا اليوم على باب مفاوضات”.
ولفت إلى أن “توقيت (إصدار) التقرير مرتبط بالمفاوضات لكن ليس بهدف إفشالها، بل على العكس، للقول إن هناك ملف المعتقلين وملف الاعتقال.
ليس من المعقول أن يهمل ملف المعتقلين في سوريا. هذا في صلب أي مفاوضات ، وإذا كانت (المفاوضات ستبدأ) أول العام المقبل فهذا الملف يجب أن يكون مطروحًا، ولا يمكن التقدم (في المفاوضات) إذا كان الجميع لا يريد التركيز إلا على داعش”.
وأقر حوري أن موضوع محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات في سوريا هو “الموضوع الأكثر تعقيدًا اليوم في الملف السوري على باب المفاوضات”، لكنه أصر أنه “كخطوة اولى يجب تحييد اي شخص كان مسؤولا عن مراكز الاعتقال. اذا لم نكن قادرين على محاسبتهم (المسؤولين) اليوم، فعلى الاقل نبعدهم”.
وشدد على أنه “لا يمكن أن نفكر للحظة، أنه يمكن الوصول إلى حل في سوريا، مع أشخاص كانوا مسؤولين عن مراكز اعتقال يحصل فيها موت ممنهج بشكل يومي أو شبه يومي، بينما هؤلاء يستمرون في فترة انتقالية مسؤولين عن نفس مراكز الاعتقال”.
وقال إن “إعادة هيكلة أو إصلاح الجهاز الأمني في سوريا هو موضوع أساسي، ومطلب رئيسي. التحدي هو كيفية إصلاح هذه المنظومة الأمنية كي لا تكون قمعية، بل أن تكون حامية للسوريين.
هذا هو التحدي الكبير اليوم، خصوصا أننا نعرف ان المنظومة هذه ما زالت متكاملة ومتجانسة وصامدة وقوية، وبالتأكيد غير مستعدة للتخلي عن سلطاتها وصلاحياتها”.
وأشار إلى أن جهود “هيومن رايتس”، من خلال هذا التقرير والفيديو المصاحب له، تتركز على أكثر من صعيد تتعلق بـ “إعادة طرح الموضوع على الساحة الإعلامية… وبتوصيل هذه الرسالة إلى القيمين الدوليين”.
وحذر من أن “صعود داعش طغى، نوعا ما، على الساحة الإعلامية والاهتمام الدولي، لسببين: أولاً أن داعش يفتخر بإجرامه ويعتمد الصدم المقصود وهذا مخيف، والنقطة الثانية أنه يصدّر عنفه إلى الدول الغربية وغيرها، لذا نجد كثيرا من هذه الدول، التي تعتقد أن النظام يشكل خطرا على الشعب السوري، لكن ليس علينا في باريس ولندن وغيرها، بينما داعش يحاول تصدير هذا الموضوع إلينا، لذا يولونه اهتمامًا أكبر”.
وأوضح أن “هيومن رايتس” قررت إطلاق هذا التقرير بالذات من موسكو “لسبب واضح هو أن موسكو اليوم هي الحليفة الكبرى لدمشق، وبالتالي عندها مسؤولية معنوية واضحة، وربما يوما ما تكون عليها مسؤولية قانونية لتدفع بحليفها (الأسد) ليتوقف عن هكذا انتهاكات أو تسمح على الأقل لمراقبين دوليين”.
وأضاف: “نحن نعرف أين توجد هذه المعتقلات. وهناك زملاء في عواصم أخرى يطرحون الموضوع على المسؤولين في باريس ولندن وواشنطن وعواصم أخرى، وعلى القيمين في ملف (المبعوث الدولي في سوريا ستيفان) دمستورا بأن هذا الملف أساسي، وهناك حلول ليست مستحلية له”.
وأشار إلى أن “الحلول العملية بسيطة جدا، أولها دخول مراقبين دوليين مستقلين إلى أي مركز اعتقال في سوريا، سواء لدى النظام أو أي مجموعة مسلحة ثانية. وثانيا، نحن نعرف عبر التوثيق أن النظام لديه قوائم كاملة لأسماء كل الذين ماتوا تحت التعذيب، ونطلب نشر هذه المعلومات لأنه لم يعد مقبولا أن يبقى الأهالي منتظرين، وأن يكونوا ضحايا الابتزاز. وثالثا يجب السماح للأهالي بدفن أقاربهم بما يليق بهم ويعيد لهم جزءا من كرامتهم”.
ولفت حوري إلى أن النظام يستخدم التكتم على مصير المعتقلين كوسيلة لقمع السوريين، ذلك أنه “حين لا يعرف الأهل ماذا حل بأودلاهم (المعتقلين)، فهذا يشكل رادعًا كبيرًا بالنسبة لهم.
فحين لا تعرف ما إذا كان ابنك ميتًا أو معتقلًا حيًّا فأنت لا تتحرك. وهذه بالتالي أقوى طريقة لتخويف الناس”.
وشدد على أن “ملف الاعتقال هو ملف وطني في سوريا، وملف المفقودين ملف وطني، ونحن مع إدخال مراقبين دوليين إلى جميع مراكز الاعتقال أينما وجدت، وسحب هذه الورقة اليوم من التداول السياسي”، مضيفًا: “نسعى لأن يكون هذا الملف أولوية سواء بالنسبة للمفاوضين من النظام والمعارضة”.
المصدر : الأناضول