لم تمنع حالة اللجوء التي يعيشها طلاب سوريون في عدة مناطق بمحافظة جبل لبنان، من إصرارهم على متابعة دراستهم الابتدائية، في مدرسة “نموذجية” تسعى هيئتها التعليمية (سورية)، لـ”بناء جيل سوريا الجديد… جيل الوحدة والمحبة والتعايش دون أي تمييز بين سوري وآخر”، وفقاً للهيئة.
إصرار السوريون على استكمال المسيرة التعليمية، في محاولة منهم لرسم “مستقبل مشرق” لبلادهم المنكوبة، لقي دعما من مختلف شرائح المجتمع اللبناني في منطقة “شانيه” ذات الأغلبية الدرزية، في المحافظة اللبنانية، وعلى رأسهم الحزب التقدمي الاشتراكي، بزعامة النائب، وليد جنبلاط.
جنبلاط بدوره قدم مبنى “مدرسة شانيه”، لتكون “صرحا تربويا للطلاب السوريين اللاجئين”، بدعم مادي ومالي من جمعية الإرشاد والإصلاح الخيرية اللبنانية (غير حكومية).
المدرسة تستقبل حاليا، أكثر من ألف طالب سوري، من الصف الأول وحتى الصف التاسع من المرحلة الابتدائية، يتلقون تحصيلهم العلمي وفق المنهجين التعليميين اللبناني والسوري، على يد هيئة تعليمية سورية، يعمل أفرادها براتب شهري زهيد (وفقاً لمستوى المعيشة في لبنان)، لا يتجاوز 500 دولار أمريكي، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
أحمد العوض، الذي لجأ إلى لبنان من محافظة حمص السورية (وسط) قبل حوالي 4 سنوات، المشرف على المدرسة، قال إن “المدرسة فتحت أبوابها للطلاب السوريين اللاجئين منذ 3 سنوات”، لافتا أن “عدد الطلاب المسجلين حاليا ضمن فترتي دوام، صباحية ومسائية، يتجاوز ألف طالب”.
وأوضح العوض ، أن أكثر من 200 طالب إضافي لم تتمكن المدرسة من استيعابهم، “فكل فصل يضم 50 طالبًا، أي أكثر من طاقته الاستيعابية الطبيعية بكثير”، مبينا “الأمر الذي دفعنا لتخصيص أستاذين اثنين لكل فصل، وأستاذ أساسي ومساعد له”.
وأضاف أن الهيئة التعليمية تتألف من 26 مدرسا، يدرسون حاليا المنهج اللبناني من الصف الأول حتى الخامس، والمنهج السوري من السادس حتى التاسع، لافتا أنه “يتم تحويل المنهج تدريجياً نحو اللبناني بشكل كامل عاما بعد عام”.
وشكر العوض وزارة التربية اللبنانية “التي سهلت على الطلاب السوريين استخدام المنهج اللبناني، وبلدية منطقة شانيه التي تقدم الكثير من التسهيلات للمدرسة”.
ولفت أن “جمعية الإرشاد والإصلاح اللبنانية هي التي تتكفل بكافة مصاريف المدرسة، منذ افتتاحها، خاصة وأن الطلاب يدرسون بشكل مجاني، إلا أنهم يدفعون أجرة النقل فقط لأصحاب الحافلات”.
وختم العوض، بالقول إن “المدرسة تعتبر نموذجا جيدا لبناء جيل سوريا الجديد”، مبيناً أنها “تضم طلابا ومدرسين من مختلف المناطق السورية، ومن مختلف الطوائف والقوميات، يعلّمون ويتعلّمون في جو مميز من المحبة والألفة كالأسرة الواحدة”، مضيفا “نحن نعيد بناء جيل سوريا الجديد… جيل الوحدة والمحبة والتعايش دون أي تمييز بين سوري وآخر”.
من ناحيته، أكد مسؤول الحزب التقدمي الاشتراكي في المنطقة، زياد شيا، أن “تقديم مبنى المدرسة ليكون مخصصا لتعليم الطلاب السوريين، أتى من دوافع أخلاقية وإنسانية، ومن واجبنا تجاه هذه الفئة من الناس التي تشردت قسرا من بلدها بفعل الجرائم التي تعرضت لها سواء من قبل نظام الاسد أو بعض المجموعات الإرهابية هناك”.
ولفت شيا أن “المدرسة تلقى رعاية خاصة من السيدة نورا جنبلاط، زوجة رئيس الحزب، إضافة لتعاون وزارة التربية اللبنانية وبلدية المنطقة”، مشددا أن الأهالي في البلدة “يحتضنون الطلاب السوريين بكل محبة وسرور، ويقدمون ما يمكنهم تقديمه من أجل هذه المسيرة التعليمية”.
أما الطلاب أنفسهم، الذين يتابعون دراساتهم بعيدا عن وطنهم، فلا يخفون رغبتهم بالعودة يوما ما إلى مدارسهم الأصلية، وقد هدأت الأمور ووضعت الحرب أوزارها، إلى جانب إصرارهم على متابعة مسيرتهم التعليمية مهما كانت الظروف وفي أي مكان.
الطالبة ضياء الكردي، في الصف التاسع، لجأت إلى لبنان قادمة من مدينة حلب، قبل حوالي سنة ونصف السنة، قالت، إنها تتابع دراستها “رغم كل الظروف، من أجل تحقيق هدفي في الحياة”، مشيرة أن “العودة إلى سوريا ومتابعة الدراسة تبقى الهدف الأسمى، فمن لا يريد أن يكون ويعيش في بلده ؟!”.
من ناحيته، لفت الطالب حمزة بجبوج، من دمشق، أنه متمسك بمتابعة دراسته رغم حالة اللجوء التي يعيشها، مؤكدا أن “الفائدة التي نتلقاها من خلال الدراسة في هذه المدرسة جيدة”.
وأبدى بجبوج رغبته بالعودة إلى وطنه ومتابعة الدراسة هناك، متمنيا أن يكون ذلك قريبا.
المصدر : الاناضول