يعيش “أبو نديم” مجدداً أجواء المظاهرات بكامل مشهدها، مع عودة الزخم إلى الحراك الثوري السلمي في حلب، حيث يبدأ وبعيداً عن الضجيج، العمل من أجل انتقاء وكتابة العبارات التي سيحملها ناشطو مدينة حلب في لافتاتهم خلال المظاهرات القادمة.
أبو نديم الذي اشتهر بخطه الزخرفي الجميل، والذي وضع بصمته على معظم اللافتات التي رفعها ناشطو حلب في مظاهراتهم منذ الأيام الأولى للثورة، فضل أن يعيش المشهد من جديد كما كان في السابق، خاصة وأن “ثوار حلب” قد عزموا العودة إلى الحراك الشعبي بعيداً عن الفصائلية والإنتماءات التي ارهقت الثورة في الفترة الماضية، وهو ما حدث في حلب، حيث استعادة المظاهرات ألقها في المدينة وريفها.
وحدة الحراك
يقول أبو نديم لوطن: اتخذ الثوار قراراً بعودة التظاهرات إلى مدينة حلب كما كانت في السابق، حيث يبحث الجميع عن زخم وشعارات الثورة الأولى، وهو ما جعلني استحضر تلك اللحظات الأثيرة، عندما كنت اختلي بنفسي بعيداً لأسباب أمنية، حيث كان النظام ما زال يسيطر على هذه الأحياء، وقد كنت أفعل ذلك من أجل كتابة العبارات التي سيرفعها المشاركون في المظاهرات التي كنا نجتمع فيها كلنا، بصوت وشعار واحد يتحدى الخوف والقمع.
وبالحديث عن المعنى الذي تحمله عودة الحراك الثوري بهذا الشكل بالنسبة له، يقول أبو نديم: دائماً ما طالبنا بإنهاء حالة الفصائلية والاسماء والانتماءات الطارئة، وقد قطعنا كثوار مدنيين جزء كبيراً من الطريق نحو تحقيق هذا الهدف اليوم، بعد اجتماعنا في جسم واحد يضع الثورة على رأس اهتماماته، وهذا الجسم هو مؤسسة (ثوار حلب)، وهذه المظاهرات هي أولى نتائج توحدنا.
للوهلة الأولى يظن من شاهد مظاهرات أهالي حلب يومي، أنها مشاهد من أرشيف زمن قد مضى، زمن الثورة الأول والحراك الشعبي، لكن أياماً قليلة فقط من توقف عمليات القصف والحرب على الشعب، كانت كافية لكي يثبت السوريون مرة أخرى أنهم قادرون على صياغة حلهم والتعبير عن ذاتهم والمطالبة بحقوقهم بالطرق السلمية التي لم تتمكن الحرب الوحشية من جعلهم ينسونها كما أراد عدوهم أو اعدائهم على حد قول “أبو نديم”.
وجه الثورة
“أعطني يوماً بلا قصف أعطيك شعباً يملئ صوته أروقة الشوارع المدمرة بفعل الغارات الجوية والقذائف التي حولت وطنهم إلى أطلال”.. هكذا كانت الصورة في مدينة حلب، حيث خرج المئات من سكانها لتجديد المطالبة بإسقاط النظام وتحقيق أهداف الثورة وكل من يسعى من أجلها ويقاتل دفاعاً عنها.
هنا حلب، وهنا الثورة بكل أشكالها السلمية والمسلحة، هذا مفاد رسالتنا من خلال مظاهراتنا، حيث لا رجعة عن المطالب ولاعودة عن طريق الكرامة التي دفع من أجلها آلاف أرواحهم.
بهذه العبارات يصف “ثائر محمد” حراك حلب المتجدد، ويضيف: حاول العالم جاهداً تكريس صورة مايحدث في سوريا على أنها “حرب أهلية”، أو صراع بين إرهابين ونظام على السلطة، واستطاع الإعلام العالمي تغييب وجه الثورة الحقيقي طيلة أشهر لم تكن قليلة، لكن ما حدث من حراك سلمي أكد أن مسعى الغاء الثورة لن ينجح، ونحن فقط نبدأ حكاية ثورتنا من البداية مجدداً، ومستمرين حتى ننتصر وتتحقق أهدافنا.
روح الثورة
“ثوار حلب” مؤسسة ثورية مدنية تم تشكيلها مؤخراً، وانصهرت فيها معظم المجالس الثورية في المدينة، وكان أبرزها مجلس ثوار حلب، حيث أصبح الكيان المعترف به من قبل جل الثوار والناشطين المدنيين. ويحاول القائمون عليه توحيد جهود المؤسسات الثورية، وإعادة الثورة إلى سكتها الصحيحة، من خلال تنظيم الكوادر وتوزيع المهام وتقاسم الأدوار بما يضمن إحياء وإعادة الزخم الثوري إلى المدينة .
بعد دخول الثورة مرحلة العمل المسلح، وانقسامها كوادرها إلى فئات، بين عسكريين وناشطين مدنيين، ومسؤولين مؤسسات خدمية أو اجتماعية، حصل شرخ بين هذه الكوادر على خلاف ماكنا نطمح إليه، ويعتبر الهدف من هذا انشاء مؤسسة (ثوار حلب) انهاء جميع المسميات والتشكيلات، ووضع الكوادر أمام مسؤولياتهم الثورية، بهدف إيصال صوت السوريين إلى العالم من جديد، حسب الناشط الإعلامي “مجاهد أبو الجود”.
ويضيف أبو الجود: في السنة الأولى من ثورتنا، وضع الشعب السوري دول العالم أمام واقع لا يمكن التغاضي عنه، وذلك من خلال المظاهرات السلمية، إلا أن انتقال الأضواء وتركيزها على المعركة العسكرية التي فتحها النظام، جعل المشهد مختلفاً، وسمح بدخول كيانات وأفكار ومشاريع غريبة عن الثورة لا تمثله ولا تعبر عن إرادة الشعب، لكن اليوم سيبدأ العمل السلمي وبشكل مكثف من أجل إعادة روح الثورة الأولى.
لم تكن مظاهرات الاسابيع الماضية في حلب مجرد لحظة عابرة، هذا ما أكده الناشطون الحلبيون خلال حراكهم المستمر إلى الآن في المدينة وريفها، إلا أن اللافت للنظر، كان التجاوب الكبير من قبل المواطنين والأهالي مع هذا الحراك المتجدد، والذي وجد فيه الجميع متنفساً عن آلام ومتاعب أشهر طويلة من الحرب المفتوحة التي استهدفت كل شيء.
منصور حسين -وطن إف إم- حلب