جاءهم خبر وفاة ولدهم في الجيش، الشاب الذي ترك خلفه عائلة كبيرة في قرية علوية بريف اللاذقية، فما كان منهم إلا أن زوجوا ابنهم الثاني «خ. س» والذي يبلغ الثانية والعشرين من عمره فقط لزوجة أخيه المتوفي، كإفتاء خاص من شيخ القرية الذي ارتجل في هذا الأمر.
زوجة شقيق «خ. س» تبلغ الثلاثين من عمرها، وأخوه المتوفي كان يبلغ الخامسة والثلاثين، «وأهله أرادوا ان يسدّوا الفراغ الناجم عن مقتل ابنهم الأكبر»، على حد قول «م. أ» جار هذه العائلة في القــــرية، الذي بين أن «شيخ القرية اقترح عليهم تزويج كنّتهم لأخ الفقــــيد الصغير على الرغم من سنه الصغير، فقد أقنعهم بأن الأطفال الصغار يحظون بفرصة لوالد آخر، وجـــرّت الأم لهذه المهزلة إصغاء لرغبات أهل زوجها، هذه الأم لا تملك من مقوّمات الدفاع عن نفسها شيئاً فقوانين التعويض تقضي بأنّ تعويض الوفاة للرجال ومسكن العائلة يعود بمعظمه لأهل الفقيد».
يوضح «م. أ» بعد مرور أكثر من ستة أشهر على هذا الزواج، طرق الفقيد باب «خ. س» وزوجته، فهذا بيته، لكنه عاد بعد أن قضى سنةً كاملةً وهو مخطوف يحلم بلحظة لقاء زوجته وأطفاله، ولم يعلم حيث كان مختطفاً أن النظام أعلن وفاته في إحدى المعارك، وكذلك لم يعلم أنّ عزاءه قد انقضى منذ زمن، وانّ أخيه قد تزوّج زوجته.
يتابع «عندما فتح أخي الباب استغرب لهذه الحال، واستغرب عندما راحت زوجته تشهق بالبكاء من خلفه، كما صمت أخيه «خ. س» طويلاً ولم ينطق ببنت شفة عن أسئلته المتتالية، لكن زوجته قالت له بأنها لم تعد زوجته بل زوجة أخيه».
لم يستطع (الفقيد) تحمّل الأمر، بحسب «م. أ»، فمات بالذبحة القلبية على باب بيته، وعودته للحياة كانت كارثةً على الجميع وغيابه بهذه الطريقة كان الكارثة الأكبر، فمن يتحمّل المسؤوليّة عما حدث.
يبين «م. أ» أن «خ. س» أصيب بالجنون، كما أنّ أهله أصبحوا غريبي الأطوار قليلي الكلام، كما أن الزوجة التي تصاب أحياناً بنوبات هذيان تمزق ثيابها وتحاول قصّ شعرها، والضحيّة الأكبر هم الأطفال.
بدوره، قال أحد الناشطين من «الطائفة العلوية» فضل عدم ذكر اسمه إن: النظام عمد ومنذ انطلاقة الثورة إلى تعزيز دور الذكر ومحاباته على حساب المرأة فقد ألغى معظم حقوق الأرامل وزوجات المفقودين ليبقى للذكور الدور الأكبر، ذلك ليحافظ على العقل الذكري المتخلف الذي هو الوحيد الذي يخدمه في القتال.
وبين ان هذه العقلية هي نفسها العقلية الطائفية المتعصبة، وهي توأم العقلية التي تلغي وجود المرأة، لذا فقد كان نظام الأسد ومنذ اللحظات الأولى من انطلاقة ثورة الحريّة والكرامة بالمرصاد لكل أشكال الانفتاح خاصّةً في البيئات العلوية.
القدس العربي