لم تكن تعلم أنها ستبقى معلقة بين الأرض والسماء، معلقة بلا وطن، حين خرجت لزيارة أبنائها في دولة أخرى ثم ركبت الطائرة لتعود عن طريق تركيا إلى مصر حيث استقرت هي وعائلتها منذ قرابة العامين، ولكنها فوجئت بأن الإقامة التي تخوّلها الدخول إلى مصر هي إقامة مزورة، بالرغم من أنها قامت باستصدارها عن طريق محامية مصرية، وكما ادعت الأخيرة أن الإقامة أخرجتها بشكل قانوني.
أم عبد الله واحدة من آلاف السوريين الذين تم خداعهم والاحتيال عليهم من خلال إقامات مزورة، تصدرها شبكات من المحتالين منهم محامون مصريون ومنهم سوريون، والجميع مرتبط بضباط كبار في الأمن المصري.
تتحدث أم عبد الله عن معاناتها فتقول: وصلت مطار شرم الشيخ وتفحص الضابط هناك الإقامة التي على جوازي، ثم أخبرني أن إقامتي مزورة، فرددت عليه أن هذه الإقامة قد تم استصدارها عن طريق محامية مصرية، وهي أكدت لي أنها نظامية، وقد دفعت في مقابل الحصول عليها مبلغ ألفين وخمسمئة جنيه.
وتتابع أم عبد الله حديثها: دهش الضابط من ضخامة المبلغ الذي دفعته، وأصرّ على التأكد من الجهات الرسمية من صحة الإقامة، وللأسف ثبت في اليوم التالي أن إقامتي مزورة، اضطررت حينها للانتظار في مطار شرم الشيخ ليومين كاملين قضيتهما على مقاعد المطار الصغير، وباءت كل محاولاتي لقاء زوجي الذي كان ينتظرني وراء الحاجز بالفشل، حاولت إقناع الضباط بالسماح لي بالدخول إلى مصر، ولو بعد دفع غرامة مالية، فقد افترقت عن زوجي وباقي أبنائي لأشهر، وسأباشر بعدها باستصدار إقامة جديدة بناء على قبول أبنائي في الجامعة، لكن كل هذا المحاولات ذهبت أدراج الرياح.
وتضيف: بقيت ليومين أنتظر الطائرة القادمة من اسطنبول، لألملم خيبتي وأملي المحبط بالاجتماع بعائلتي بعد طول فراق سأظل أدعو على تلك المحامية المصرية النصابة، والتي لم تكتف بما أخذته من مال، ولكنها أيضا تسببت في شقائي وتشردي عن عائلتي، ومنعي من دخول مصر مجدداً، كانت تستطيع الاحتفاظ ببقايا إنسانية، وتساعد في حل تلك المشاكل التي تسببت بها للناس، وحتى لو طلبت المزيد من المال، ولكنها الآن تسببت بإدخالي في فصل جديد من فصول المعاناة، لاستصدار جواز سفر سوري جديد دون أن تكون عليه تلك الإقامة المزورة. تتابع أم عبدالله: لا أستطيع العودة إلى سوريا بالطبع فالوضع مزر والطريق شديد الصعوبة، ولا آمن على نفسي شر الاعتقال في حال عدت إلى مناطق النظام لاستخراج جواز جديد، أتمنى أن أتمكن من إخراج جواز جديد من سفارة النظام في اسطنبول وحتى لا أبقى تائهة في البلاد، لا أدري إلى أين أذهب وماذا سيكون مصيري، بعد أن استغل حاجتنا القريب والغريب وأصبحنا هدفا لكل المحتالين، وتجار البشر من السوريين وغيرهم.
بحسب القرارات الجديدة الصادرة من دائرة الهجرة والجوازات التابعة للنظام السوري فإن الزمن اللازم لاخراج جواز جديد، وليس تمديد جواز، هو ما بين شهر إلى ستة أشهر، وقد تصل إلى عام كامل، وهو وقت على أم عبدالله انتظاره في تركيا قبل أن تتمكن من لقاء عائلتها والعودة إلى منزلها في مصر مجدداً.
يبدو أن أم عبدالله ليست الوحيدة، ولكنها لم تتمكن من دفع الرشاوى الباهظة التي دفعها أحمد الذي واجه المشكلة نفسها بسبب اكتشاف تزوير إقامته في مطار القاهرة بعد عودته من سفره، تواصل أحمد آنذاك مع ضباط مصريين كبار لحل مشكلته والتي تم حلها بعد يومين والسماح له بدخول مصر في مقابل مبلع خمسة آلاف دولار أمريكي، المبلغ الذي لا يمكن لأم عبد الله تجميعه أو الحصول عليه مطلقاً، فهي إمرأة بسيطة لا تعمل و كذلك زوجها لم يستطع الحصول على عمل في مصر وإنما يعيشان بمعونة أبنائهما لهما. يبدو أن تلك المحامية المصرية التي تحتال على السوريين ليست الوحيدة، فقد قالت مصادر خاصة أن هناك سيدة حمصية قد تم القبض عليها من قبل الأمن المصري، بسبب مساهمتها في استصدار إقامات مزورة للسوريين مقابل مبالغ كبيرة.
وكانت السيدة الحمصية تقيم في أرقى أحياء القاهرة في منزل بفخامة القصور، استطاعت تأمين تكاليف هذه المعيشة الباهظة عن طريق الاحتيال على أبناء جلدتها السوريين، وتقاضي مبالغ تصل إلى ألفين وخمسمئة جنيه عن الإقامة الواحدة، وكانت تدّعي بأن تلك الإقامات هي إقامات مصرية نظامية، لم تكن السيدة الحمصية تعمل وحدها بل كانت وراءها شبكة من الضباط المصريين الكبار، ويبدو أنهم كانوا يتقاسمون الأموال التي كانوا يتقاضونها سويا، ولكن يبدو أن السيدة السورية حاولت العمل وحدها، باستعمال ختم مزور وجدته الشرطة في بيتها، فتم القبض عليها بينما يستمر شركاؤها من الضباط في جريمة التزوير حتى الآن، أما السيدة الحمصية فقد حكم عليها بالسجن ست سنوات بتهم الاحتيال والتزوير، بعد اكتشاف الختم المزور في منزلها.
يتعاون ضعاف النفوس من السوريين وغيرهم من تجار الحروب، وتجار البشر «المهربين»، وتجار الإقامات، على استغلال حاجة اللاجئين السوريين في ظروفهم السيئة، عدا عن المبالغ الكبيرة التي تتقاضاها السفارة السورية مقابل إخراج الجوازات والأوراق الرسمية، في ظروف يعيشها السوريون خارج بلادهم لا يمكن القول إلا أنها في بالغة الصعوبة.
المصدر : القدس العربي