انتقد خبير لبناني الدعوات إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم عبر التفاوض مباشرة مع نظام الأسد، بقيادة بشار الأسد؛ لكونه “مشكوك في شرعيته عربيا ودوليا”، واقترح قناتين دوليتين للتفاوض غير مباشر، يضمن عودة إلى المناطق الآمنة في سوريا يقبل بها طوعا قرابة 1.5 مليون لاجيء سوري، وفق تقدير أعلنته الحكومة اللبنانية، في مايو/ أيار الماضي.
وعادت أزمة اللاجئين السوريين في لبنان إلى الواجهة منذ العملية التي نفذها الجيش اللبناني، نهاية يونيو/ حزيران الماضي، في عدد من مخيمات بلدة عرسال الحدودية، وقال إنها أدت إلى مقتل وتوقيف “عدد من الإرهابيين”، وسط مخاوف من أن يستعمل “الإرهابيون” اللاجئين دروعا بشرية.
هذا التطور أعاد الجدل حول قضية اللاجئين، في ظل دعوات لتواصل لبنان رسميا ومباشرة مع نظام الأسد لإعادتهم، وهو ما يعارضه بشكل أساسي “تيار المستقبل”، الذي يقوده رئيس الحكومة، سعد الحريري، وحزب القوات اللبنانية، برئاسة سمير جعجع، وسط دعوات نشطاء حقوقيين إلى حماية اللاجئين وعدم التعرض لهم، في معارك الجيش اللبناني ضد الإرهاب، والتعاطي معهم وفق ما تنص عليه القوانين الدولية.
ديميستورا ومسار أستانا
وفق الخبير اللبناني في السياسات العامة وشؤون اللاجئين، الدكتور زياد الصائغ، فإنه “يجب عدم ربط ما جرى من عمليات دهم نفذها الجيش في عرسال (شرق البقاع على الحدود مع سوريا) بضرورة معالجة أزمة اللجوء، التي يعاني منها لبنان منذ أكثر من ست سنوات، وقد تخلفت الحكومتان السابقتان عن معالجة الموضوع مكتفية بمعالجة الوفود وتنظيم الوجود”.
وتدور الحرب في سوريا، منذ عام 2011، حيث يرفض نظام الأسد تداول السلطة، التي ورثها بشار، في يوليو/ تموز 2000، إثر وفاة والده الرئيس حافظ الأسد (1971 – 2000).
وتابع موضحا أن “الحكومة الأولى، برئاسة نجيب ميقاتي بين عامي 2011 و2013 أنكرت وجود أزمة لجوء، ولم تعالج المشكلة بشكل جدي لأسباب سياسية معروفة، وحكومة تمام سلام بين عامي 2013 و2016 لم تستطع بدورها حل الأزمة لأسباب سياسية أيضا”.
وينقسم الشارع والقوى السياسية في لبنان بين فريق يؤيد نظام الأسد وآخر يؤيد الثورة، وهو انقسام عمقه قتال حزب الله اللبناني، منذ سنوات، بجانب قوات الأسد ضد قوات الثوار في سوريا.
وأعرب الصائغ عن أمله “أن لا يفجر الخلاف حول قناة التفاوض في ملف اللجوء الحل لهذه الأزمة، فمن الواضح أن كل الأطراف السياسية في لبنان مع عودة اللاجئين إلى بلدهم، والسؤال المطروح هو: ما هي قناة التفاوض (؟).. توجد قناتان للتفاوض يمكن للبنان اختيار إحدهما أو اعتماد الاثنين معا”.
ومضى قائلا إن “القناة الأولى عبر الوسيط الدولي (مبعوث منظمة الأمم المتحدة الخاص بسوريا)، ستيفن دي ميستورا، الذي يشكل ملف اللاجئين جزءا من مهمته، أما القناة الثانية فعبر مسار أستانا، الذي يشارك فيه الجانب الروسي والتركي والإيراني”.
ومنذ بداية العام الجاري، استضافت العاصمة الكازخية أستانا خمس جولات من المباحثات بشأن سوريا، أعقبت إعلان وقف إطلاق النار، نهاية ديسمبر/كانون أول الماضي، برعاية الدول الضامنة، وهي: تركيا وروسيا وإيران.
ومستنكرا، تساءل الخبير اللبناني: “بوجود هاتين القناتين، لماذا يُراد الزج بمفاوضات مباشرة مع نظام الأسد يوجد تشكيك دولي وعربي بشرعيته، لنذهب إلى تفاوض عبر قنوات غير مباشرة”.
وشدد على أنه “يجب أن لا نتحمل مسؤولية إعادة اللاجئين قسرا إلى مناطق يتعرضون فيها للخطر، بل يجب أن نضغط من خلال عمل دبلوماسي ونهيء عودتهم إلى مناطق آمنة من خلال الأمم المتحدة”.
ومنذ بداية العام الجاري، قُتل 5 آلاف و381 مدنيا سوريا، بينهم 159 طفلا 742 امرأة، وفق تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، نشرته مطلع يوليو/ تموز الجاري، فيما أودت الحرب إجمالا حتى الآن بحياة مئات الآلاف، أغلبهم مدنيين، وتسببت في نزوح ولجوء الملايين (من أصل أكثر من 17 مليون نسمة)، إضافة إلى دمار مادي ضخم، بحسب الأمم المتحدة.
3 عناوين للحل
واعتبر الخبير اللبناني أنه “لم يتم تدارك مشكلة اللاجئين منذ الأساس، ووصلنا اليوم إلى هذه المرحلة بعد أن كشفنا ظهر الجيش والقوى الأمنية (الشرطة)، وجاءت عملية الجيش في عرسال لتؤكد مجددا على ضرورة المعالجة الجدية لأزمة اللجوء”.
الصائغ شدد على أن “الحلول لهذه الأزمة يجب أن تكون دولتية، وبرأيي هناك ثلاثة عناوين لمعالجتها، وهي: احترام سيادة الدولة واستقرارها، خصوصا وأن الأزمة مرتبطة بالأمن القومي للدولة”.
والعنوان الثاني هو “احترام حقوق الإنسان في التعاطي مع اللاجئين؛ فهم لجأوا قسرا إلى لبنان هربا من الموت والإرهاب والحرب في بلدهم”، بحسب الصائغ، الذي أوضح أن العنوان الثالث هو “العمل بمقاربة دبلوماسية لبدء عودة طوعية للاجئين إلى المناطق الآمنة في سوريا”.
وأوضح أنه “يوجد 1450 مخيما عشوائيا للاجئين في لبنان، وجميعها يحتاج إلى تنظيم وضبط الخدمات فيها، وتفعيل التنسيق مع الأمم المتحدة وجمعيات المجتمع المدني، وأيضا وضع سياسة وطنية جامعة للتعاطي مع ملف اللجئين”.
وشدد على أن هذه السياسة “يجب أن تحافظ على سيادة لبنان واستقراره وحماية مواطنيه والمقيمين على أراضيه، إضافة إلى صون كرامة اللاجئين، خصوصا وأن لبنان ملتزم باحترام حقوق الإنسان، وأخيرا الضغط بمنهجية دبلوماسية لعودة اللاجئين عبر التعاون مع المجتمع الدولي، وليس المواجهة معه”.
وقالت مصادر لبنانية مطلعة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، إن الدوائر المختصة في الدولة باشرت بوضع سياسة عامة لقضية عودة اللاجئين، معتبرة أن التأخير الذي حدث يجب أن لا يؤثر على وضع هذه السياسة والبدء في تنفيذها.
وخلال ترأسه جلسة لمجلس الوزراء، أمس الأول الأربعاء، حذر الرئيس اللبناني، ميشال عون، “من تحول مخيمات النازحين السوريين في لبنان إلى بيئة حاضنة للإرهابيين”، ودعا “الجيش والقوى الأمنية والشعب إلى التعاون لمنعهم (الإرهابيين) من تنفيذ إجرامهم”.
وأعلن الجيش اللبناني، يوم الجمعة الماضي، عن وقوع أربعة تفجيرات انتحارية، أثناء مداهمات نفذها في مخيمات اللاجئين قرب بلدة عرسال، وأسفرت عن توقيف 350 لاجئا، بينهم مسلحون، وجرى لاحقا الإفراج عن مئة منهم، فيما توفي أربعة لاجئين أثناء احتجازهم لـ”أسباب صحية”، وفق بيان للجيش.
وطن اف ام