الأوضاع الانسانية الصعبة وغياب الحد الأدنى من متطلبات العيش الطبيعية، هي السمة الأبرز التي تتصف بها المخيمات الحدودية مع تركيا، ومع ذلك، فإن القليل من المخيمات فقط من يحارب قاطنوها والقائمون عليها في سبيل تحسين أوضاعها.
مخيمات قابلة للتطوير
في الوقت الذي تشهد فيه مخيمات ريف حلب الشمالي أوضاعاً انسانية وخدمية مزرية، يحاول القائمون على بعض هذه المخيمات التي أنشأت بعد سيطرة الثوار على مدينة جرابلس، العمل على تطوير مخيماتهم وتوفير مقومات الحياة الأساسية اللازمة للمدنيين المتواجدين داخلها، على الرغم من عقبات النقص في الموارد والشح في الامكانات التي يعانون منها.
“مخيم الملعب” الذي أنشأ استعداداً لاستقبال مايقارب “1500 مدني” من مهجري مدينة حلب مطلع العام الجاري، كان أحد المخيمات التي تتشارك سوء الأوضاع الخدمية مع المخيمات الموجودة في المنطقة سابقاً، إلا أن المسؤولين والمتواجدين داخل (مخيم الملعب)، عمدوا إلى تنظيمه بما يتناسب مع تعداد المقيمين فيه، إضافة إلى مساعيهم لتحسين شروط الاقامة فيه.
التشارك في تأهيل المخيم
“بعد تسلمي ادارة مخيم الملعب الذي تقطنه عائلتي مع حوالي ثلاثمئة عائلة مهجرة من مدينة حلب، قمت بالاجتماع مع المقيمين فيه واطلاعهم على الامكانيات المتوفرة بين ايدينا، للبحث في سبل تطوير المخيم وجعله مكاناً قابلاً للحياة بشكل أفضل، وهذا ما تمكنا من تنفيذه لاحقاً وإن لم يكن كما نريد بشكل كامل”.
هذا ما قاله “وليد العيسى” مدير مخيم الملعب بريف مدينة جرابلس، والذي أضاف: قليلة هي الامكانات المتوفرة لدينا، في ظل المعاناة التي يعيشها المخيم من شح الخدمات ونقص في المياه وانقطاع الكهرباء، وسوء أوضاع التعليم، وأخيراً وليس آخراً المعاناة من أجل توفير الخبز والطعام للقاطنيين فيه، إلا أن الاكتفاء بالشكوى والندب على هذا الوضع لايجدي نفعاً، وعلى هذا الأساس بدأنا في التحرك لتطوير المخيم.
وتابع العيسى: بالدرجة الأولى عملنا على تلبية احتياجات المهجرين الأساسية، من خبز وطعام، وتأمينها بأسعار معقولة، بالإضافة إلى هندسة مرافق الصرف الصحي والحمامات وتوفير المعدات اللازمة لاستخراج مياه الآبار، كما أننا عملنا على انشاء نقطة امنية لحماية المخيم، وإقامة دور تعليم مصغرة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين العشر والخمسة عشر سنة من الذين لا يجيدون القراءة والكاتبة.
ولم يخف العيسى رفض المسؤولين عن مخيمات النازحين في مدينة جرابلس العديد من خطط المشاريع الخدمية التي تقدم بها، وذلك نتيجة انشغال المجلس المحلي لمدينة جرابلس في انشاء مخيمات جديدة وبشكل متواصل للنازحين والمهجرين المتوافدين إليها من مختلف المناطق السورية بشكل شبه دائم، كما قال.
مشاريع صغيرة
جميع مخيمات ريف حلب الشمالي أو المخيمات الحدودية عموماً، تحتاج إلى مجرد التنظيم، وبعض الخدمات البسيطة جداً لكي تنتهي المعاناة من النقص في الاحتياجات الأساسية، كما أوضح “أبو محمود” وهو أحد المقيمين في مخيم الملعب بريف مدينة جرابلس.
وقال: لا يمكن لوم المجلس المحلي لمدينة جرابلس على تأخره في ارسال صهاريج المياه لتغذية المخيمات، أو عدم متابعته المتواصلة للأمور التنظيمية والخدمية لجميع المخيمات، كما أننا غير قادرين على المطالبة بأمور خارجة عن قدراته، مثل توفير الكهرباء لساعات طويلة، أو غيرها من المتطلبات الأبسط، على الأقل في الوقت الراهن.
وأضاف: تنتهي كل المشاكل بالتنظيم وتأمين اللوازم الضرورية دون التوجه إلى المجلس في حال تأخره وهذا مافعلناه، بحيث نقوم بتأمين الصهاريج بشكل فوري في حال نفاد المياه، وتنظيم بناء الخيام وتعبيد الطرق بالحصى، وأيضاً تأمين الخبز بأسعار رمزية وذلك من خلال مندوب ينوب عن جميع سكان المخيم في شراءه.
ويتابع: هناك تقصير فعلي من قبل المجلس المحلي لمدينة جرابلس، لكن عندما تشاهد أكثر من عشرين مخيماً تقع على عاتقه تأمين احتياجاتها، ستكون بعض الحاجيات التي تطالب بها صغيرة وتحتمل التأجيل، وهو مانقوم بالعمل عليه ومتابعته من خلال التعاون بين المجلس وادارة المخيم.
مدرسة لمحو الأمية وتعليم الأطفال
يعيش داخل مخيم الملعب أكثر من “مئتين وخمسون طفل” ممن تتراوح اعمارهم بين الخمس سنوات وثلاثة عشر سنة، وتبلغ نسبة الأطفال الملتحقين بالمدارس ومراكز التعليم الأساسي “ستة من أصل عشرة”، في حين يفضل الأطفال الذين تجاوزو عامهم العاشر عدم الإلتحاق بمقاعد الدراسة لأسباب عدة أبرزها “مشاركتهم لأطفال يصغرونهم بسنوات مقاعد الدراسة”، كما أكد “زين العابدين” وهو صاحب فكرة بناء دار لمحو الأمية بين الفتية.
ويضيف: ننتظر موافقة المجلس المحلي لمدينة جرابلس على انشاء دار لمحو الأمية داخل المخيم أو بالقرب منه، للفتية الذين تجاوزت أعمارهم الثلاثة عشر عاماً، الذين يرفضون التوجه إلى المدارس وتلقي التعليم داخل صفوف تحوي أطفالاً لم يبلغوا عامهم السابع، وهي صفوف المرحلة الأولى من التعليم الأساسي، الأمر الذي يرفضون تقبله ويدفعهم للاحجام عن التعلم.
ويوضح زين العابدين: نحاول أن نضع حداً لجهل الفتية وتحويلهم إلى متعلمين قادرين على الاتحاق بمقاعدهم الدراسية المناسبة لهم، قبل أن يكبروا وينضموا إلى قافلة الأميين المكتظة أصلاً في هذه البلاد.
المخيم هنا لايسد الفراغ الذي خلفه فقدانك لمنزلك ونمط حياتك السابق قبل الحرب، ولن يتحول إلى بيئة مثالية لحياة طويلة الأمد، لكن على الأقل حاول أن تجعله مركز حياة نابض ما استطعت إليه سبيلاً، هذا شعار القاطنيين والمسؤولين عن مخيم الملعب قرب مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي.
وطن اف ام