حينما سلّمت واشنطن الشهر الماضي، وللمرة الأولى، عشر عربات مدرعة من نوع «إس يو في» إلى «قوات سورية الديموقراطية»، ثار جدلٌ حول الخطوة الأميركية: قيل إن هذا القرار اتُخذ في إدارة الرئيس باراك أوباما، و«ليس بناءً على إذن جديد من إدارة الرئيس دونالد ترامب»، كما قال بيان للبيت الأبيض. وقد علّقتْ القيادات الكردية على ذلك بالقول إن ترامب، الذي استعجل إلغاء «أوباما كير» منذ الساعات الأولى لحلوله في البيت الأبيض رئيساً، كان أيضاً قادراً على إلغاء قرار دعم الأكراد، لكنه لم يفعل، ما يعني دعمه الضمني للقرار. مع ذلك فالجواب الكردي لا يستطيع نفي ما حمله بيان البيت الأبيض من «تحوّط».
والسؤال اليوم: هل ستدعم إدارة ترمب الأكراد مثلما استثمرت فيهم إدارة أوباما؟ الجواب الأرجح هو نعم، حتى لو كان ذلك على غير رغبة من الأتراك. لكن هذا الدعم، ومراعاةً لهواجس أنقرة، على وجه الخصوص، لن يجعل الأكراد اللاعب الأهم الذي سيحرر الرقة، وقد كانت فكرة «قوات النخبة» العربية التي يقودها أحمد الجربا أداة عملية على الأرض لتخفيف الهواجس التركية وإدارة التوازنات المعقدة. اتفاق الجربا مع الأميركيين، والروس أيضاً، على أن تملأ الفراغ بعد طرد «داعش» من الرقة قواتٌ في غالبيتها عربية، وبدعم إقليمي ودولي لا تُستثنى منه تركيا.
المشهد اليوم يقول إنّ القضاء على عاصمة الخلافة للتنظيم الإرهابي لن يكون حدثاً عابراً، وسيرسم الأقوياءُ خطوطه وتفاصيله، ومن هنا فإن الدعم المطلوب لمعركة الرقة سيعني أنها معركة توافقات دولية وإقليمية في شأن أمرين: الأطراف التي ستخوض التحرير وإدارة توازنات ما بعد التحرير بين الفاعلين المحليين والإقليميين وحلفائهم الدوليين.
والأغلب أنّ «قوات النخبة» و «القوات الكردية» لن تتمكنا وحدهما من حسم المعركة في الرقة، التي سيكون النظام وإيران و «حزب الله» و «الحشد الشعبي» الأكثر استبعاداً من المشاركة فيها، أو الأقل مشاركة، وهو ما تعيه موسكو حيث تداركت الموقف المحتدم في منطقة الباب برسم خطوطٍ لمنع الاشتباك «غير المحسوب» بين قوات النظام و «حزب الله» من جهة و»الجيش الحر» المدعوم من أنقرة من جهة ثانية.
المسؤول اليوم عن ملفات سورية والعراق وإيران في مجلس الأمن القومي في إدارة ترامب هو العقيد المتقاعد جويل رايبرن، المعروف بمواقفه الوسطية حيال قضايا الشرق الأوسط. ورايبرن، الذي سبق أنْ خدم في العراق زمن حكومة نوري المالكي، كان من أشد الداعمين للتحالف الأميركي مع عشائر الأنبار، لتشكيل «الصحوات» للقضاء على «القاعدة» قبل نحو عشر سنوات.
ولنا أنْ نسأل ونرصد ونترقب إلى أيّ حدّ يمكن أنْ يستلهم رايبرن تلك التجربة مجدداً في سورية، ويقنع إدارته بجدوى استحضارها في الرقة تحديداً؟
المصدر : الحياة