حين يطلب بيان مشترك وقعته كل من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا الى جانب فرنسا وإيطاليا والمانيا، من روسيا وايران التدخل لمنع النظام من تدمير حلب والسماح بإدخال المساعدات الانسانية، فكأن في الامر تكرارا لكيفية مطالبة هذه الدول، منفردة او مجتمعة، النظام السوري ابان وصايته على لبنان، بوقف القتال في الوقت الذي كان هو جزء لا يتجزأ من الحرب فيه على غرار ما هي روسيا اليوم وكذلك ايران، انطلاقا من انه لولا دعم هذين البلدين لحملات النظام العسكرية ورعايتهما لها لما نجح في التقدم قيد أنملة.
لكن ذلك يدلل في الوقت نفسه على قمة العجز الغربي الذي لن ينجح إلا في ان يزيد تشدد روسيا وايران انطلاقا مما يكشفه الطلب الغربي منهما، وهو ما يسمح لهما برفع سقوفهما على ما فعلت روسيا في طلب رحيل جميع المقاتلين عن شرق حلب من دون استثناء، وليس فقط خروج عناصر “فتح الشام”. وثمة من يستدلّ على ذلك أيضا من الموقف الروسي الذي ارتفع سقفه في غياب الديبلوماسية الاميركية، او من خلال الاعتبار انه لا يمكن الكلام او الاتفاق معها حول سوريا او حلب تحديدا.
ولم يعد هناك شك في أن الدول الغربية الموقعة على البيان أضحت في مكان آخر كليا من موقع القوة التي كانت تتمتع بها في الاعوام القليلة الماضية. فهي تتحرك من منطلق اخلاقي لإنقاذ السوريين، مع التسليم ضمنا بأن روسيا تقود الحملات الجوية ضد المعارضين، وهي هددت علنا بذلك، فيما تقر بالأمر بوضوح تقارير الامم المتحدة ايضا، في حين ان العجز هو بناء على الغياب الاميركي القسري بفعل الانتقال في السلطة مبدئيا، علما ان الرئيس باراك اوباما لم يكن يحرك ساكنا على نحو جدي.
وهذا الانتقال في السلطة يستكمل في هذه المرحلة، بما يترك الاوروبيين من دون سند فعلي، في الوقت الذي انحصر الملف السوري تفاوضا بين الولايات المتحدة وروسيا بمعزل عن الشركاء الاوروبيين طيلة الاعوام القليلة الماضية، وهو ما كان مثار اعتراض لديهم من دون نتيجة، في حين ان الموقف الاميركي كان ولا يزال ضعيفا وغير ذي معنى بالنسبة الى سوريا.
ومعلوم أن اوروبا، على رغم مصالحها المباشرة في المنطقة، لم تثبت يوما قدرتها على إثبات الحضور في ازمات المنطقة على اختلافها، فيما يعتقد كثر أن ثمة ما هو اكثر من الضعف او العجز الاوروبي، في ضوء ما اصاب اوروبا من ازمات على خلفية مسألتي الارهاب واللاجئين، بحيث غدت اولوية هذه الدول ان تأمن تداعيات الحرب الاهلية السورية ليس إلا، فضلا عن أن المساومة مع روسيا هي على مسائل اهم بالنسبة الى اوروبا، كما هي الحال بالنسبة الى اوكرانيا.
هل هذا يعني ان هذه الدول تقوم بما تقوم به لئلا يفهم من مواقفها تخليها عن سوريا كليا، وهو امر لا يمكنها اعلانه؟.
لعل هذا هو المرجح. ثمة من يسأل ما ستكون عليه الخطوة التالية بالنسبة الى روسيا وكيفية ضمان ترئيس بشار الاسد على السوريين السنّة مجددا، واذا كانت ستساعده في الابقاء على سلطته على المدن او تساعده في السيطرة على بقية سوريا. فهل روسيا ستساعد النظام في الحسم عسكريا، ام تدفعه الى مفاوضات سلمية انطلاقا من السؤال: هل الحل عسكري في نهاية المطاف ام سياسي؟ فروسيا تقيم قاعدة بحرية اضافية لها في سوريا غير قاعدة حميميم، وهذا معناه انها ستكون معنية جدا بالوضع السوري الداخلي، ما دام وجودها سيكون دائما او ابديا (!)
بحيث لا يناسبها عمليات انتقامية ضد قواتها كما في افغانستان، وسيتعين عليها ان تؤدي دورا حاسما، أولا في ادارة الشأن السوري حماية لمصالحها بعيدا من الاضطرابات التي يمكن ان تنتقل اليها اذا استمرت الظلامة السنية باستمرار بشار الاسد، ثم يتعين عليها أيضا إرضاء الدول العربية الخليجية، أي الغالبية السنية في العالم العربي في صيغة حكم تستبدل الاسد أو تقلص صلاحياته على نحو يرضي بقية المكونات السورية الاخرى اذا تم التسليم جدلا بقدرتها على حماية بقائه في السلطة او لم تختلف مع ايران على ذلك.
المصدر : النهار