للدلالة على الوجهة المحببة عند الناس وشدة الإقبال عليها والسفر اليها مراراً وتكراراً يستخدم الأوروبيون في لغتهم اليومية تعبير «مكة» الذي انتشر وصار شائعاً على نطاق عالمي.
ومنه استوحى البرنامج التلفزيوني السويدي فكرته، وشجعه على المضي فيها تزامنها مع عرض مسرحي جديد في شيكاغو عنوانه «حكايات مكة» حظي بترحيب نقدي كبير، ما دفع معدي البرنامج للجمع بينه وبين تخطيطهم لزيارة مكة المكرمة وتعريف المشاهد الأوروبي، بالمقام الأول، بأهميتها التاريخية كمدينة مقدسة يؤمها ملايين المسلمين كل عام الى جانب توسعها المعماري اللافت.
في البداية يقدم البرنامج عرضاً تاريخياً موجزاً للمدينة المقدسة وأهميتها بالنسبة الى المسلمين يتضمن الى جانب التسجيلات القديمة والصورة الملتقطة لها أرقاماً واحصائيات لعدد زوارها والتوسع العمراني المستمر فيها والذي جعل منها واحدة من أكبر الوجهات السياحية الدينية في العالم. ثم يمضي في رحلته الى شيكاغو ليقابل هناك مخرجة المسرحية روحينا مالك التي تحدثت بشغف عن فكرتها وفرحتها بالنجاح الجماهيري الذي حققته حتى الآن. «فكرة المسرحية استلهمتها من تجربة والدتي حين قررت حج بيت الله برفقة مجموعة من صديقاتها وما رافقها من نقاشات كثيرة، داخل العائلة وخارجها، كونها بحسب نظر كثيرين منهم مغامرة لامرأة غربية مسلمة تتوجه لزيارة مكان مقدس بعيد».
المسرحية عمادها خمس نساء مسلمات يتهيأن للحج وسط استعدادات كثيرة ولغط لا ينقطع حول التفاصيل المتعلقة بها تعمدت مخرجتها وكاتبتها تقديم هذا الجزء منها بروح مرحة. ثم مع مرور الوقت راحت تغوص في تفاصيل شديدة الصلة بالموقف السلبي المسبق من المرأة المسلمة في الغرب والولايات المتحدة بخاصة. «أردت أن أكتب عن المرأة المسلمة المعاصرة وتغيير «الكليشهات» الجاهزة عنها ككائن ضعيف ليس له صوت. أردت تقديم نماذج يُقتدى بها مثل أمي وعملي من وحي تجربتها الحقيقية». وعن تجربتها الشخصية كمخرجة مسرحية أميركية قالت روحينا: «أنا من عائلة مسلمة ولدت في لندن وترعرت في شيكاغو وواجهتني على الدوام أسئلة حول أصولي وديني ولهذا حاولت أن أتناول هذه المسألة في أعمالي وأقدم عالمي كما هو بما فيه ممارساتي لطقوسي وشعائري الدينية. لقد أديت العمرة وأخطط مستقبلاً للحج، ومن هنا جاء العمق الواقعي في مسرحيتي التي وجد فيها النقاد منجزاً مهماً يجسد واقع المسلمين الغربيين كما هو وبكل تفاصيله وإن ركز على الجانب النسوي منه أكثر».
يستكمل البرنامج التلفزيوني مخططه فيصل الى مكة المكرمة ويشرع في تصوير معالمها الحديثة ويجري مقارنة بين ما كانت عليه قبل عقود قليلة وكيف أصبحت الآن، مدينة قادرة على استيعاب ملايين الحجاج خلال أيام معدودات، توفر لهم كل سبل الراحة والاستقبال الرحب. للإجابة على السؤال المتعلق بقابلية المدينة على استقبال هذا الكم الكبير جداً من الزوار التقى البرنامج محافظ المدينة الدكتور أسامة البار الذي وجد في مقارنتها ببعض الفعاليات العملاقة مثل تنظيم بطولة العالم لكرة القدم أو الألعاب الأولمبية مقارنة ظالمة. «كل البطولات الكبيرة توزع فعالياتها على مدن عدة وفي حفلة افتتاحها ربما لا يزيد عدد الحضور على 200 الى 300 ألف وإذا نظرت الى مشروع توسعة الحرم المكي فسترى أنه سيستوعب ما بين 600 ألف الى مليونين من المصلين كلهم يتواجدون في وقت واحد وفي مكان واحد. فعلى سبيل المثال يذهب الناس كلهم تقريباً في رمضان الى الحرم ليفطروا هناك ثم يعودون الى بيوتهم سوية وهذة ميزة يتفرد بها الحرم المكي عن بقية المناطق المزدحمة في العالم ولهذا نأخذ بعين الاعتبار هذا العنصر عند تخطيط وتوسيع المدينة ونراعي أوقات الذروة فيها». يقوم البرنامج بزيارة ميدانية للمدينة وحرمها وينقل لمشاهده فخافة بنائها وجمال معمارها الذي يزاوج بين العصرنة والحفاظ على روح الموروث الديني لها، ما يجعل منها مدينة تضاهي بقية مدن العالم السياحية فيما تظل محتفظة بأهميتها الدينية، فمن يأتي اليها كما توصل البرنامج بعد أن جاب أرجاءها لا يقصد أطرافها بل في الأساس مسجدها الحرام والكعبة المشرفة.
المصدر : الحياة