يأتي رجل الأعمال داميان (الممثل بين كنجسلي) في فيلم “غير أناني” للمخرج ترسيم سينغ (إنتاج 2015)، وهو يصارع المرض الخبيث في الساعات والأيام الأخيرة من حياته قبل أن يجهز عليه نهائيا، ولن ينقذه إلاّ ذلك الحلم الافتراضي الذي سيقوده إلى حياة أخرى.
مشروع عملية استبدال جسد داميان الفاني الميّت بجسد شاب آخر، فيما تبقى روحه وحواسه وخزينه العقلي هي ذاتها، هو الذي يسهر عليه البروفيسور ألبرايت (الممثل ماتيو غوود).
وبالفعل سيخضع داميان إلى تلك العملية ليفيق بعد حين، وإذا به شخص آخر يتعلم كيف يتصرف بالتدريج، ويعرف من هو في سلسلة من تمارين تغيير الشخصية وإدماجها في الجسد الجديد لشخص يدعى إدوارد (الممثل رايان رينولدز)، بشرط تعاطي الدواء المصاحب لذلك التحول الذي دونه سيعود سريعا إلى ذكريات كامنة في اللاوعي، وهو كلما مرّ بتلك الأزمة شاهد صورة أم وطفلتها، أسرته التي سيجد نفسه معها بعد حين وسط مشاعر متضاربة ما بين شخصيتي داميان وإدوارد.
هذا الصراع الداخلي المرير هو مقوّم أساسي في بناء الشخصية الدرامية في هذا الفيلم، لوحدها تلك المشاعر العميقة بالحنين للابنة والزوجة من جهة إدوارد، والحنين للابنة من جهة داميان كافية لأن تؤسس لنا شخصية فصامية تقود هذه الدراما باتجاهات متعارضة ومتقاطعة.
ومع ذلك، فتلك الإرادة الذاتية والحنين لا يمكن القبول بهما من قبل البروفيسور وعصابته، وهي بالفعل عصابة تتاجر بحياة هذه الشخصيات ولهذا يستخدم البروفيسور جميع الوسائل لكي يحول دون أن تعيش هذه الشخصية “الكولاجية” حياة آدمية طبيعية، وأن تبقى مجرّد عينة تجريبية.
المخرج هنا يقدم فيلمه الخامس بعد أفلامه: “الخلية”، “السقوط”، “الخالدون”، و“مرآة” والذي كان أولها جميعا في عام 2000، سعى في هذا الفيلم إلى تأسيس عناصر مكملة لقصة الخيال العملي التي تختصرها الرحلة في داخل الجسد والحواس، في ما يشبه عملية زراعة كائن داخل كائن آخر.
عناصر تتمثل في منح الفيلم مساحة صراع أخرى، مواجهات بالرصاص وقتل ومطاردات، وفي كل الحالات كان إدوارد هو المنتصر الذي يريد العودة إلى حياته الطبيعية، وها هو يسلم ابنة داميان رسالة اعتذار وهي الساخطة عليه، وهو خط درامي آخر بقي معلقا في تلك الدوامة من الصراعات.
على صعيد السرد الفيلمي يمكننا تلمس الوسيلة المباشرة التي استخدمها المخرج وقبله كتّاب السيناريو الثلاثة للفيلم، إذ بني السرد على فكرة اغتراب إدوارد عن ذاته في أوقات كان يرى فيها خليطا من الذكريات المخزونة في اللاوعي من حياته الماضية، وهو الخط السردي الذي دفعه إلى مقاومة العودة إلى صورة وحياة دميان، بالرغم من كل العمليات التي تعرض لها في المختبرات.
ومن هناك مضى المخرج في هذا الخط السردي إلى نهايته من خلال تجربة مخبرية أخيرة تعيد إدوارد نهائيا إلى وعي دميان الكهل، لكنها خدعة تبدو ساذجة، حيث صوّر إدوارد وهو يخفي في فمه قطعة معدن حالت دون نجاح العملية وبقي كما هو.
الصراع والمطاردات فرضنا أيضا تنوعا مكانيا ملفتا للنظر، وخليطا من تلك الأماكن الحقيقية والحلمية وهو ما وظف مونتاجيا على نحو متصاعد مع طمس المكان في بعض الأحيان على فرض أنه في اللاوعي، لكن العلامة الدالة كبرج المياه العالي كانت كافية لتأسيس مكاني آخر صار في ما بعد ميدانا لمواجهة بين إدوارد وخصومه.
من جهة أخرى كان البديل عن ذلك الواقع المأزوم هو الهرب إلى مكان آخر، ولهذا سيرسل إدوارد أسرته إلى مدينة أخرى في الكاريبي ليلتحق بها في ما بعد، ومن أجل اقناعها بحياة سعيدة قادمة، ولكنه حل بدا تبسيطيا إلى حدّ كبير.
وما زاد من تعدد خطوط السرد، هو أن الفيلم مبني أساسا على فرضية ذلك الانتقال الشعوري والوجداني من كائن إلى آخر، لكن من الواضح أن السيناريو لم يتعمق كثيرا في ذلك الإحساس الفصامي العميق، بل وجد بدلا عن ذلك حلا آخر من خلال مشاهد الحركة والصراعات وقطع الأنفاس، وبذلك بقيت خطوط السرد والدراما تتراوح ما بين الصراع والحركة وبين المشاعر الوجدانية.
المصدر : العرب