تعكف وزارة الأمن الداخلي الأميركية على دراسة تبني وسائل أكثر دقة وتشديداً لفحص حسابات الشبكات الاجتماعية لطالبي تأشيرات الدخول وطالبي اللجوء في الولايات المتحدة، بناءً على طلب من الكونغرس.
تهدف الاستراتيجية الأمنية إلى محاولة الكشف عن أي علاقات محتملة لطالبي اللجوء بمنظمات إرهابية، حيث يمكن أن تكشف تلك الحسابات على تويتر وفيسبوك وغيرهما من الشبكات الاجتماعية بشكل واضح عن معلومات يمكن استخدامها لتحديد الإرهابيين المحتملين، وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الثلاثاء 23 فبراير/شباط 2016.
إلا أن الخبراء يعتقدون بأنه الأمر لن يكون سهل التطبيق تقنياً ولوجستياً، بالإضافة إلى وجود حاجز اللغة الذي قد يصعّب من عملية تحليل ملايين المنشورات اليومية.
مخاوف مشروعة
بعد هجمات ديسمبر/كانون الأول الماضي في سان برناردينو، قال فرانسيس تايلور، وكيل وزارة الأمن الداخلي للاستخبارات والتحليل، إن الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب ليست بالقوة المطلوبة، وفق ما صرح به في جلسة استماع بالكونغرس.
فيما أعرب مسؤولون بصناعة السياحة ومنظمات الدفاع عن حقوق المهاجرين عن قلقهم من السياسة الجديدة التي تحمل في طياتها خطراً حقيقياً، حيث يمكن لمن ينتقدون سياسات الحكومة الأميركية الخارجية أو أولئك الذين لديهم أصدقاء أو متابعون من مؤيدي التنظيمات الإرهابية، أن يكونوا عرضة لمراقبة غير مبررة.
المخاوف التي أثارتها تلك المنظمات تعكس بشكل واضح التحدي الذي يواجه الهيئات القانونية التي تحاول أن تواكب سرعة تطور الأحداث ومراقبة التكنولوجيا التي اتجه الإرهابيون إلى استخدامها بشكل فعال، وخاصة الشبكات الاجتماعية.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن ميلاني نيزير، وهي عضوة بمجموعة HIAS التي تهتم بتوطين ومساعدة اللاجئين في الولايات المتحدة: “لم نر تلك السياسة الجديدة بعد، ولكن لدينا قلق واضح من أن تؤدي إلى إطالة عملية دخول اللاجئين التي تعد طويلة بالفعل حالياً وإضافة قواعد مبهمة”.
وأضافت نيزير: “يمكن لتلك السياسة أن تبقي الكثيرين ممن لا يشكلون تهديداً خارج الولايات المتحدة”.
مخاوف مماثلة عبرت عنها العديد من المنظمات التجارية في صناعة السفر.
“داعش” والشبكات الاجتماعية
منفذا هجوم سان برناردينو – تاشفين مالك وزوجها سيد فاروق – كان قد تبادلا رسائل إلكترونية، تحدثا فيها عن التزامهما بالجهاد والاستشهاد، كما صرح مسؤولون قانونيون، إلا أنهما لم ينشرا أي شيء بشكل عام عن مخططاتهما على فيسبوك أو الشبكات الاجتماعية الأخرى.
وتزايدت منذ الهجوم مخاوف مسؤولي مكافحة الإرهاب ومشرعي القانون حول استخدام المنظمات الإرهابية كتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) للشبكات الاجتماعية.
وتم تقديم أكثر من مشروع قانون للكونغرس، من بينها ما قدمه السيناتور جون ماكين، حاكم ولاية أريزونا، الذي طالب من خلاله وزارة الأمن الداخلي بأن تقوم بمراجعة حسابات طالبي اللجوء على الشبكات الاجتماعية وغيرهم من طالبي تأشيرات الزيارة والهجرة إلى الولايات المتحدة.
كان ماكين قد قام بتقديم مشروع قانون يطلب مراجعة جميع السجلات العامة، بما فيها مواقع الإنترنت وحسابات الشبكات الاجتماعية، لتحديد ما إذا كان المتقدم يمثل خطراً على الأمن القومي أم لا.
وقالت ميشيل مكول، رئيسة لجنة الأمن الداخلي بالكونغرس: “هذا التشريع يضيف بعداً هاماً وضرورياً للغاية لعملية فحص المتقدمين، حيث ستتم مراجعة النشاط الإلكتروني للمتقدمين بشكل دقيق قبل دخولهم للولايات المتحدة”.
وأضافت “من خلال فحص بسيط لحسابات الشبكات الاجتماعية للمسافرين وطالبي تأشيرات الدخول، ربما نتمكن من كشف من شاركوا أو أعلنوا ولاءهم أو تواصلوا مع منظمات إرهابية لكي نمنع دخولهم إلى البلاد”.
لم يتم التصديق بعد
ورغم أن الكونغرس لم يقم حتى الآن بالتصديق على القانون الجديد، إلا أن الديمقراطيين دعوا أيضاً إلى فحص صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالمتقدمين، حيث قام 22 من نواب الحزب الديمقراطي في ديسمبر/كانون الأول الماضي بإرسال خطاب إلى وزير الأمن الداخلي جيه جونسون طالبوه بالتعاقد الفوري مع شركة تقوم بهذا الأمر.
وقال الخطاب: “إننا نعتقد بأن الفحص الذي سيركز على أية اتصالات محتملة مع جهات إرهابية ينبغي أن يتم إدراجه كأحد إجراءات فحص واتخاذ قرار منح التأشيرات، وهذه السياسة يجب أن تطبق في أقرب وقت ممكن”.
مشاريع تجريبية
وزارة الأمن الداخلي كانت قد أعلنت أنها قامت بتحديد قائمة تتكون من 30 جهة يمكنها أن تقوم بفحص حسابات الشبكات الاجتماعية للمتقدمين، ولكنها لا تقوم بفحص تلك الصفحات بشكل دائم بحثاً عن مؤشرات تأييد للتنظيمات الإرهابية.
العام الماضي، قامت الوزارة بتكوين فريق عمل لبحث الأمر وتقديم توصيات بشأنه لوزير الأمن الداخلي، حيث من المتوقع أن يتم الإعلان عن تلك السياسة الجديدة قريباً، إلا أن المسؤولين الرسميين لم يحددوا توقيتاً محدداً للأمر.
الوزارة أشارت إلى أن لديها 4 مشاريع تجريبية لدراسة استخدامات الشبكات الاجتماعية بالنسبة للمتقدمين للهجرة ودخول البلاد، وأن أحد تلك المشاريع قد بدأ في ديسمبر/كانون الأول الماضي ويستمر حتى يونيو/حزيران القادم.
ويعتمد هذا المشروع على فحص حسابات الشبكات الاجتماعية للمتقدمين لتأشيرة الخطيبة (تمنح للراغب في الزواج من مواطنـة أو مواطن أميركي) والتي دخلت من خلالها تاشفين مالك إلى الولايات المتحدة.
اللاجئون السوريون
ويستخدم قسم خدمات الجنسية والهجرة التابع لوزارة الأمن الداخلي نظاماً لفحص الحسابات كجزء أساسي من مراجعة طلبات اللجوء للسوريين في حالة وجود شكوك حول اللاجئ، فقط إذا لم تتوافر حوله معلومات استخباراتية كافية أو كانت إجاباته أثناء المقابلة الشخصية من مسؤولي الهجرة مثيرة للشك، إلا أن الشركة المسؤولة لا يمكنها الوصول للرسائل الشخصية للمتقدمين.
وقال مدير الشركة، ليون رودريغز، في جلسة استماع بالكونغرس في 3 فبراير/شباط الماضي: “كل ما يمكننا الوصول له هو المنشورات والتعليقات العامة التي يكتبها الأشخاص، ليس لدينا طريقة للوصول إلى المراسلات الخاصة”.
وأضاف رودريغز أنه عند فحص الحسابات على فيسبوك وتويتر من خلال النظام الإلكتروني، تمت دراسة أغلب التعليقات بشكل يدوي بواسطة محللي الشركة، حيث يصف تلك العملية بأنها بطيئة وقصيرة المدى، وأنها لا تطبق حالياً سوى على السوريين.
في المستقبل تسعى وزارة الأمن الداخلي إلى إيجاد طريقة لتحويل القيام بتلك العملية إلى صورة إلكترونية بشكل كامل؛ كي تمكنهم من فحص ودراسة كمية ضخمة من الرسائل البيانات.
عقبات تقنية
يرى الخبراء أن عملية فحص حسابات التواصل الاجتماعي لعشرات الملايين ممن يدخلون البلاد سنوياً للعمل أو الزيارة أو الهجرة بشكل دقيق ستكون صعبة للغاية، فقد يملك البعض حسابات متعددة على أكثر من منصة للتواصل الاجتماعي، كما يمكن أن تختلف لغات تلك الحسابات، بالإضافة إلى استخدام الكثير من المستخدمين لأسماء مستعارة.
جون إيلدر، وهو خبير في علم تنقيب البيانات في شارلوتسفيل بفرجينيا، وعمل سابقاً بدائرة الإيرادات الداخلية والبريد في مشاريع للكشف عن عمليات الغش والتلاعب، قال إنه من الممكن بناء نظام يقوم بفحص آلاف الصفحات والمنشورات على الشبكات الاجتماعية للكشف عن معلومات تفيد في تحديد هوية الإرهابيين المحتملين، إلا أنه أضاف: “أتمنى ألا يحلم الناس ببناء نظام معصوم من الخطأ. سيساعد النظام الجديد على تحديد بعض الأشياء التي يمكن التحقق منها بالمزيد من البحث، إلا أنه لن يكون بلا خطأ”.
واتفق ديفيد هيمان، مساعد وزير الأمن الداخلي السابق، مع هذا الطرح، كما أضاف: “يجب أن نكون حريصين حول الطريقة التي سيتم بها فحص الصفحات، فأنظمة الذكاء الاصطناعي واللوغاريتمات لديها قدرة ضعيفة على التمييز بين ما هو جدّي وما هو ساخر”.
المصدر : هاف بوست عربي