منوعات

وجود مكتبة في البيت أهم من آباء متعلمين

يؤكد خبراء المكتبات وعلوم التربية ضرورة أن يعتاد الطفل على وجود الكتاب أمام ناظريه كمادة متاحة وليس كفرض ثقيل. وربما لا يستفيد الطفل من مكتبة أبويه ولكن مجرد وجودها يقوي لديه حب المعرفة والابتكار، ويجعله حريصا على أن تكون له مكتبته الخاصة عندما يستقل بذاته.

وأشاروا إلى أن المكتبة المنزلية إذا توافرت فيها مصادر المعرفة المتنوعة والمنتقاة بعناية لكي تناسب جميع أفراد الأسرة فإنها ستكون من أهم الأدوات التربوية التي تساهم بإيجابية في التنشئة السليمة للأطفال التي تؤثر في مختلف مراحلهم العمرية، واعتبروها مظهرا للسلوك الحضاري والتربوي.

ويستطيع الآباء تحفيز أطفالهم على القراءة عندما يكونوا قدوة يحتذى بها؛ إذ أن الأطفال يتأثرون بآبائهم ويقلدونهم في أكلهم وملابسهم وهواياتهم ولا تمثل القراءة استثناء، فإذا كان الآباء يهتمون بالكتب والقراءة، فسوف يحذو الأطفال حذوهم.

وأكدت دراسة إيطالية حديثة أن الأطفال الذين لديهم فرصة الحصول على الكتب، يمكنهم تحقيق مكاسب مادية أكثر من أولئك الذين تقع تربيتهم مع عدد قليل من الكتب أو من دونها. ونبهت الدراسة إلى وجود علاقة قوية بين المكاسب المادية التي يجنيها البالغون وبين نشأتهم في بيئة مليئة بالكتب أثناء فترة طفولتهم.

وأوضحت أن الأشخاص الذين تربوا في عائلات لديها أقل من رف للكتب جنت مكاسب بنسبة زيادة تقدر بـ5 بالمئة فقط نتيجة التعليم لمدة سنة إضافية بالمقارنة مع زيادة بنسبة 21 بالمئة لأولئك الذين كانت لديهم إمكانية الحصول على الكثير من الكتب. وقالت إن الذين بإمكانهم الحصول على الكتب هم أكثر عرضة للانتقال إلى فرص أفضل للكسب في المدن.

وأفادت بأن عدد الكتب المتوفر للطفل في المنزل، يمكن أن ينبئ بشكل فعال بدرجات الاختبار المعرفية التي سيحصل عليها، وهذا الأمر قد يشير إلى أن مثل هذا المنزل يشجع على تنمية المهارات المعرفية والاجتماعية والعاطفية، والتي تعتبر مهمة لتحقيق النجاح في الحياة.

وكشفت دراسة أميركية استمرت على مدى 20 عاما، أنه مع تفاوت الحالة المادية بين الأسر، أو اختلاف الجنسيات والأعراق، أو تفاوت الخلفية الدراسية والعلمية للوالدين، فإن الطفل قد ترتفع مستوياته الثقافية والتعليمية، لمجرد وجود مكتبة منزلية.

وقالت المشرفة على الدراسة الأستاذة المساعدة في علم الاجتماع ومصادر الاقتصاد في جامعة نيفادا في أميركا، ماريا إيفانز، إن المكتبة قد تكون موازية في قدرتها على تثقيف الطفل للوالدين المتعلمين، وإن المقياس الذي يتوقع من خلاله تمتع طفل بثقافة عالية مستقبلا، وآخر يتوقع له العكس، إنما يستند أساسا على منزل يفتقر إلى الكتب، وآخر يتمتع بمكتبة كبيرة، وإن وجود المكتبة الكبيرة في المنزل، لا يتعلق بدرجة علم الوالدين أو بشهادتيهما، حيث يمكن للأب والأم أن يكونا قد أنهيا الدراسة الابتدائية، مقارنة بآخرين يحملان شهادات جامعية، فوجود مكتبة ضخمة أو وجود والدين يتمتعان بثقافة عالية يمكن أن يكون له تأثير كبير في التعليم الجامعي للطفل في المستقبل.

وبحثت من خلال الدراسة، باعتبارها مختصة في علم الاجتماع، في حالة الأطفال الذين يعانون ويعيشون وسط أسر فقيرة علميا، ومدى إمكانية استفادتهم من وجود الكتب في حياتهم ومنازلهم، محاولة البحث عن وسائل لمساعدة أطفال ولاية نيفادا التي تعيش فيها، سواء من خلال التنمية الاقتصادية أو التعليمية، وتساءلت «كيف يمكن أن نقوم بمساعدة الأطفال في المستقبل؟»، وكانت النتيجة هي عبر إمكانية توفير الكتب في منازلهم.

وأوضحت إيفانز أن الأمر لا يحتاج إلى أن تتمتع العائلة بمكتبة ضخمة لتوفير هذه النتيجة “فحتى الأعداد القليلة من الكتب يمكن أن يكون لها تأثير كبير، فوجود 20 كتابا فقط في المنزل الواحد، يمكن أن يكون له تأثير كبير جدا في دفع الطفل إلى مستويات عالية من التعليم، وكلما زادت أعداد الكتب، زاد التأثير”. وقالت الدراسة إنه في بعض البلدان مثل الصين، فإن وجود مكتبة ضخمة تحمل 500 كتاب في المنزل، يمكن أن يدفع تعليم الطفل وثقافته ستة أعوام إلى الأمام، بينما يقل تأثير تعليم الطفل في أميركا إلى 2.4 عام إلى الأمام، إلا أن متوسط ارتفاع محصلة علم وثقافة الطفل هو 3.2 أعوام إلى الأمام، وهو المتوسط في نحو 27 دولة غطتها الدراسة.

وفوجئ الباحثون خلال الدراسة التي قامت بها إيفانز وفريق عملها في جامعة ولاية نيفادا، وجامعة كاليفورنيا، والجامعة الوطنية الأسترالية، والتي تعتبر واحدة من أكبر الدراسات التي أقيمت في العالم، التي تتمحور حول مستويات التعليم والثقافة بين الأطفال في المستقبل، بالتأثير الكبير للمكتبة في المنزل في تعلم الطفل ودراسته، بصرف النظر عن عوامل أخرى مثل مستوى تعليم الوالدين، ووظيفة الوالدين، أو الخلفية الاجتماعية، أو النظام السياسي للدولة.

كما توصلت الدراسة إلى أن وجود الكتب في المنزل يمكن أن تكون له أهمية وتأثير أفضل بمرتين مقارنة بوجود والدين متعلمين، وما كان مثيرا للدهشة بالنسبة إلى العلماء، أن ارتفاع مستوى الطفل ثقافيا وعلميا في الصين بوجود مكتبة ضخمة، كان أفضل منه في أميركا، وهو أقل في أميركا بسنتين افتراضيتين مقارنة بالصين.

وأكد خبراء التربية أن المكتبة المنزلية تجعل الكتب متاحة للطفل بصورة مستمرة وتيسر سبل الاطلاع الدائم لكل أفراد الأسرة، وتفيد الطفل والأسرة معا على المدى البعيد. كما تساعد على تكوين شخصية الطفل وصقل مواهبه وتنمية قدراته. وتزوده بالمعارف والخبرات والمهارات والسلوكيات السليمة.

ويشدد الخبراء على ضرورة تأصيل دور المكتبة المنزلية في كل بيت ليستفيد منها جميع أفراد الأسرة، نظرا إلى أن وجودها لا يعتبر من الكماليات أو الديكور المنزلي أو مدعاة للتفاخر بين أفراد المجتمع، بل لإحياء دور الكتاب وتعزيز مكانته في مواجهة التقنيات الحديثة والإنترنت والألعاب الإلكترونية والتلفاز والحث على أهمية القراءة خاصة في السن المبكرة.

المصدر : العرب 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى