منوعات

رمضان اسطنبول ، عثماني بكل أشكاله

قبيل موعد الإفطار بدقائق، تختفي فروقات الزمن في شارع الاستقلال في إسطنبول ويصبح المشهد واحداً بين ما عليه اليوم وما كانت عليه قبل نحو 170 عاماً، حين أُنشئ هذا الشارع الذي يمر فيه يومياً أكثر من 3 ملايين شخص. يخلي المارة هذا الشارع في موعد الإفطار، على رغم أنه أكثر الشوارع تنوعاً في الثقافة والدين حيث يعتبر مقصداً للسياح ومرتادي المقاهي والباحثين عن الترفيه. وقد لا ترى سوى عدد قليل من السياح الأجانب.

ويوحي هذا المشهد المهيب بقوة التقاليد الاجتماعية في شهر رمضان، فالعادات المتوارثة في هذا الشهر توحّد سكّان المدينة.

ولدى مقارنة عادات شهر رمضان اليوم بما كان سائداً أواخر العهد العثماني، يتضح أن ما انقطع سياسياً من صلة بين الدولة التركية الحديثة والدولة العثمانية ما زال متصلاً اجتماعياً من خلال العادات الرمضانية، وهذا لا يعني في أي حال أن هذه العادات لم تشهد تغيرات، غير أنها بقيت تشكل امتداداً للأصل الذي انطلقت منه.

وتتنافس هيئات وجمعيات إسلامية في تقديم «موائد الرحمن»، وهي وجبات إفطار مجانية تقدم للصائمين في ساحات عامة قرب الجوامع، إلا أن بلديات إسطنبول تحظى بالنشاط الأبرز في هذا المجال من حيث كمية الوجبات المقدمة. وتنتشر «موائد الرحمن» في كل الأحياء السكنية في إسطنبول. ويلاحظ قرب مراكز توزيع الطعام وجود وجبات أخرى يقدمها متبرعون لتصبح جزءاً من الموائد المتنوعة التي تتضمن غالباً طبق «داوود باشا».

وتترافق هذه الموائد مع موسيقى على الطريقة العثمانية، وهي آلات نفخية وطبول. وتعد فطائر «بيدا» من أشهر المعجنات خلال شهر رمضان، وهي بمكانة كعكة «المعروك» في بلاد الشام. وقرب جامع السلطان أحمد يتجمع الناس بعد الإفطار حول «الكاراكوز»، وهي لعبة الدمى التقليدية التي يعود تاريخها إلى أيام السلطان سليم الأول. أما المفقود اليوم مقارنة بأيام العثمانيين ولا أمل بعودته، فهي سبل المياه العامة.

وتكتسب المدينة طابعاً جديداً في الليل بأنواع لا حصر لها من المصابيح التي تشكل جزءاً من زينة تـتركز في الجوامع وتمتد إلى الشوارع العامة وواجهات المنازل وداخل الغرف. وما زال الأتراك يطلقون على الزينة الرمضانية اسم «الماهيا»، المشتقة من الكلمة العربية «المحيا» للدلالة على البهجة.

واختفت في تركيا المعاصرة «وثيقة تنبيهات رمضان» التي كانت سائدة أيام العثمانيين، ويشرف عليها السلطان بنفسه، وتتضمن رقابة على المواد الغذائية وتحديد الأسعار وتوجيهات أدبية وسلوكية. وقد ظهرت هذه الأيام لوحات إرشادية لا تشبه «تنبيهات رمضان»، فهي تقتصر على وعظ وتعريف بالشهر الفضيل، ومواعيد الإفطار، وتوجيهات أدبية.

المصدر : الحياة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى