مئات الآلاف يتوافدون في شهر رمضان المبارك من كل عام، على جامع “الخرقة الشريفة” بمدينة إسطنبول، لزيارته وإلقاء نظرة على بردة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، في مشهد بات من أبرز الطقوس الرمضانية، لدى المسلمين الأتراك وغيرهم.
وقد اكتسب الجامع الذي يقع في حي “الفاتح” أشهر أحياء إسطنبول، اسمه، من احتضانه عباءة النبي صلى الله عليه وسلم، التي أحضرها السلطان سليم الأول (تاسع سلاطين الدولة العثمانية حكم من سنة 1512 حتى 1520)، إلى إسطنبول عام 1516، واحتفظ بها في مكان خاص بالمدينة، بحسب القائمين على المسجد.
وقد تعرّضت “الخرقة الشريفة” (كلمة “خرقة” دخلت إلى التركية العثمانية واستخدمت بمعنى المعطف أو العباءة) بعض أجزاء من البُردة للتلف بسبب طريقة الحفظ التي كانت مُتبعة قديماً، وهو ما دفع المشرفين عليها لترميمها وحفظها بوسائل حديثة، واكتشف المرمّمون خلوّ البردة من أي نوع من الميكروبات عكس عمامة وحزام أويس القرني رغم حفظها جميعًا في الصندوق نفسه.
ويشهد الجامع، توافداً من كافة أرجاء تركيا وأيضا من خارجها، لإلقاء نظرة على العباءة، ويسمح المعنيون بالأمر، لهم بمشاهدتها، طيلة أيام رمضان فقط، فيما يكون الجامع مفتوحاً أمام المصلين على مدار العام .
وأنشئ، جامع “الخرقة الشريفة”، عام 1851م، واستغرق بناءه أربع سنوات، للحفاظ على الأمانة النبوية الشريفة، وهو في شكله العام، يبدو متأثرًا بالطراز المعماري الغربي قليلاً، مبتعداً عن الطراز العثماني الكلاسيكي، وتزينه آيات قرآنية من الداخل، وتتوسّطه قبة واسعة، تقف على جانبيها مئذنتان باسقتان.
وعن كيفية تصميم الجامع، يقول علي فرات وكيل العائلة التي تحتفظ بالأمانة النبوية، للأناضول، إن “السلطان العثماني عبد المجيد الأول (الحادي والثلاثين بين سلاطين آل عثمان، حكم من 1823 حتى 1861) اهتم بتصميم المسجد لاستيعاب عدد كبير من الزوّار، لذلك قام بتنظيم مكان الصلاة ليكون منفصلاً عن موقع زيارة السترة الشريفة، وقد ساعد في تصميم الجامع مهندس معماري إيطالي، إلى جانب عدد من المهندسين العثمانيين”.
ويسرد فرات مسار وصول الأثر النبوي إلى اسطنبول قائلا “نبيّنا أهدى البردة إلى التابعي اليمني أويس القرني، الذي أدرك زمن النبي ولم يره، وقد شهد له النبي بالصَّلاح والإيمان وبرّه بوالديه، وبقيت مع أخوة القرني التي انتقلت من الكوفة في العراق إلى الأناضول وبالتحديد منطقة كوش أضاسي، في ذاك الوقت، وفي عهد السلطان أحمد الأول (1590 – 1617) استدعيت العائلة إلى إسطنبول، ومازالت مؤتمنة على البردة وتتكفل برعايتها حتى اليوم”.
ويُقدّر عدد زائري المكان في كل عام بنحو مليون شخص، بحسب القائمين على الجامع الذي يفتح أبوابه لزائري البردة الشريفة في أول جمعة من كل رمضان، وحتى آخر يوم فيه (وقفة العيد).
إسماعيل أوزتورك، مواطن تركي، رأى في وجود البردة بمدينة إسطنبول “منحة كبيرة”، وقال للأناضول، إن “تركيا تحافظ على هذه الأمانات، وأنا كمسلم أفتخر بأن تكون مثل هذه الأشياء الثمينة بقدرها المعنوي في بلادي وأن نؤتمن عليها، وسنبقى حافظي عهد الرسول حتى يرجع الإسلام عزيزاً مثلما كان في السابق”.
من جهته عبّر التركي، شرف الدين يشار، عن شغفه بالجامع، قائلًا “أتوق إلى رؤية نبينا الذي أرسل للناس كافة، أتمنى أن نسلك طريقه الذي أضعناه حتى يرجع الإسلام دين يُحتذى به، هذه السُترة أعادتني إلى زمن لم أعشه، وكنت أتمنى أن أعيشه، زمن الرسول وصحبه الكرام”
ويمتاز الجامع بوجود زاوية جانبية تعرض قطعاً أثرية قديمة ترجع إلى عهد النبي، منها قطعة قماشية قديمة لغلاف الكعبة من الداخل وأخرى من الخارج، وأدوات كانت تستخدم لتنظيف الكعبة من الداخل.
ومنذ تأسيس الجامع، حُفِظت هذه الأمانة النبوية في صندوق خاص مغلق في المسجد، حُظر فتحه على عامة الشعب، إلى أن تولى السلطان عبد الحميد الثاني الحكم، فأمر بفتحه خلال شهر رمضان الكريم لكي يتمكن الناس من مشاهدة عبائة الرسول، والتي تمثل معاني دينية عظيمة بالنسبة للمسلمين كافة.
وهناك روايات تقول إن هذه العباءة هى التي كان يرتديها النبي محمد، حينما عُرج به إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج.
المصدر : وكالات