لا تختلف كثيرا الأوضاع المأساوية لحوالي 300 عائلة تركمانية سورية، نازحة إلى بلدة عرسال اللبنانية في منطقة البقاع المحاذية للحدود مع سوريا، عن أوضاع أكثر من 90 ألف نازح سوري يقيمون في البلدة، ولكن تبقى أحوال هذه الفئة الصغيرة هي “الأكثر ترديا والأكثر حاجة للمساعدة والنجدة”.
هنا في بلدة عرسال التي تتربع على سفوح الجبال الشاهقة، ويتمركز الجيش اللبناني في قممها لتأمين الحماية لسكان البلدة من خطر المجموعات السورية المسلحة الموجودة في جرودها (محيطها)، تعيش هذه العائلات التركمانية السورية بأوضاع “لا يرضى أي إنسان أن يعيشها”، فلا خيم تصلح للسكن، ولا استعدادات جدية لاستقبال فصل الأمطار والثلوج والصقيع.
المتجول في مخيم هذه الفئة، التي مازالت تحافظ على عاداتها وتقاليدها ولغتها التركمانية، يستطيع أن يبصر بأم عينيه حجم المأساة الجاثمة على المكان، خيم ممزقة محاطة بالرمال والصخور في محاولة لدرء اجتياح الأمطار والثلوج لها، خيم تخلو من أدنى مقومات النوم براحة واطمئنان، فضلا عن مقومات الحياة الكريمة.
لا تنقطع القصص المحزنة ولا تنتهي طالما جلس أحدهم مع أي تركماني نازح إلى عرسال، قصص يحاول ساردوها إيصال أوجاعهم وآلامهم للغير، علّ يد العون والمساعدة والنجدة تصافح أياديهم، التي لم تمتد يوما لطلب الحاجة “لولا التهجير القسري”، الذي تعرضوا له من مناطقهم وبلداتهم السورية.
عبدو الشامان عجاج، النازح التركماني السوري منذ 3 سنوات من بلدة القصير في محافظة حمص، قال لـ”الأناضول”: “كل أنواع المعاناة نعانيها هنا، فلا عمل ولا مساعدات كافية، وخاصة لنا نحن التركمان”، مشيرا الى أن أغلبية العائلات التركمانية النازحة إلى بلدة عرسال “تسكن في خيم مستَأجَرة، بقيمة حوالي 40 ألف ليرة لبنانية ( 26.5 دولار أمريكي)، وهذا أمر في غاية الصعوبة”.
وعرض عجاج خلال حديثه، بعض الرصاصات التي تصيب خيمهم وأبناءهم جراء الاشتباكات، التي تندلع بين الحين والآخر في محيط بلدة عرسال بين الجيش اللبناني وحزب الله والمسلحين السوريين.
عجاج الذي حاول أن يحبس دموعه في عينه، إلا أن الغصة في كلامه كانت كافية لتعبر عن مدى المعاناة التي يعيشها، تساءل مستغربا “أي إنسان يرضى أن يعيش معيشتنا هذه! الأحوال أصبحت في غاية الصعوبة، والأمور لم تعد تطاق”، طالبا من الحكومة التركية “المساعدة بأي شيء”.
وختم عجاج “أنا والد شهيدين، وأخ شهيدين وعم أربعة شهداء، سقطوا بالقصف على منازلنا (في بلدة القصير)… كنا نعيش في مناطقنا بأمن وسلام، حتى تهدمت المنازل وتشردنا… واليوم طلبنا من أردوغان أن يُنقذنا مما نحن فيه”.
أما حليّل أبوحمّود، وهو نازح تركماني من القصير أيضا، فلفت الى أن “مياه الأمطار تجتاح الخيم البلاستيكية المهترئة التي نسكنها، وكذلك تراكم الثلوج يؤدي إلى هدم هذه الخيم”، مضيفا “لا مواد للتدفئة في ظل البرد القارس هنا”.
وأكد أبوحمّود، في حديث لـ”الأناضول”، أن “الجهات التي توزع المساعدات لا تقدم لنا شيئا، ونحن بأمسّ الحاجة لأقل مساعدة، فأطفالنا يمرضون ولا تجد ما نطعمهم ولا ما نداويهم به”، مشيرا الى أن “أصحاب الأرض الموجودة عليها خيمنا يهددوننا دائما بالترحيل… وهذا ما يزيد الأمور تعقيدا وصعوبة”.
من جانبها، تحدثت الحاجة شهينة بلغتها التركمانية، فاشتكت من قلة المساعدات التي تصل للعائلات التركمانية النازحة إلى بلدة عرسال، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، وعدم صلاحية خيمتها للعيش.
وأضافت شهينة “لا يوجد عندنا مازوت للتدفئة في هذا الصقيع ولا فرش ولا بطانيات… خيمنا ممزقة، يدخلها الماء من كل جانب، وأرضيتها من الحجارة الصغيرة، وهي غير صالحة أبدا للنوم والجلوس”.
وتابعت “لا نريد من تركيا إلا النجدة والمساعدة والعون، فأوضاعنا مأساوية وصعبة”، خاتمة بالدعاء للشعب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالخير والتوفيق.
أما فوزية عز الدين عرفات، التي لا تختلف أوضاعها عن بقية العائلات التركمانية النازحة إلى عرسال، فلم تتمالك نفسها عن البكاء، طالبة “النجدة والمساعدة بأي شيء من أجل تحسين الأوضاع والمعيشة السئية التي نحن فيها”.
وتخوفت عرفات من فصل الشتاء، الذي بات على الأبواب، وتساءلت “كيف سنمضي فصل الشتاء بين الوحول والأمطار والثلوج، ولا يوجد معنا ما نقي به أنفسنا البرد والصقيع”، مضيفة “لا نحتاج إلا من يهتم بنا ويساعدنا في محنتنا هذه”.
المسؤولون العاملون في المجال الإغاثي في بلدة عرسال، لا يدخرون جهدا في تأمين بعض المستلزمات الضرورية للحفاظ على كرامة النازحين، ولكن الاحتياجات أكبر بكثير من المساعدات المؤمنة، في ظل الأوضاع المناخية السيئة.
حسن رايد، مسؤول مكتب اتحاد الجمعيات الإغاثية في بلدة عرسال شرح لـ”الأناضول” معاناة النازحين عامة والتركمان خاصة في البلدة، مشيرا الى أن “ما يقلقنا قرب حلول فصل الشتاء في ظل تردي الأوضاع لآلاف النازحين هنا”.
ولفت رايد أن عرسال “تضم حاليا حوالي 90 ألف نازح سوري، بينهم 300 عائلة تركمانية نزحت من عدة مناطق سورية، أبرزها محافظة حمص”، مشيرا الى أن هذه العائلات “تحتاج لمساعدات خاصة، لناحية إعادة تأهيل الخيم المهترئة، وتجهيزها بأدنى مستلزمات الحياة، إضافة لتأمين احتياجات التدفئة في فصل الشتاء خاصة وأن البرد هنا قارس جدا”.
{gallery}news/2015/11/26/11{/gallery}
المصدر : الأناضول