تشير بعض الإحصاءات في سوريا إلى أن نحو مليون ناج من الصراع السوري تعرضوا بشكل أو بآخر إلى نوع من الإعاقة في أحد الأطراف أو الأعضاء.
المعركة التي خاضوها في البقاء على قيد الحياة لم تكن بالضرورة تواجدهم في ساحات المعركة والقتال في صف جهة ضد أخرى، فالعدد الأكبر من الناجين راحوا ضحية رصاصة طائشة أو قناص أراد التسلية لا أكثر، فكانت هذه التسلية كفيلة في خلق شعور البرزخ لدى الناجين، فالعديد منهم تخلى عن حياته السابقة والنشاطات التي اعتاد القيام بها يومياً ليصبح في حالة يحتاج فيها إلى يد العون في الكثير من الأمور التي اعتقد سابقاً أنها من البديهيات.
الأخصائية النفسية الدكتورة رشا علوان أشارت إلى أن حالة الصدمة التي يتعرض لها المصاب بعد فقدان أحد أطرافه جراء حادث أو قذيفة ما، حتى أن الأعراض النفسية التي يمرّ بها هي نفسها التي يمر بها المصاب بالصدمة، فبداية الصدمة تكون في رفض الواقع الجديد الذي يعيشه الشخص ورفضه قبول انتهاء جزء منه جسده، حتى أنه يمكن أن يتخيل العضو الذي تم بتره كما لو كان موجوداً تماماً، بعدها يمكن أن يثور على واقعه فتحدث لديه حالات غضب يطلقها على كل من حوله، ومن ثم قد يدخل في حالة الاستسلام والرضوخ للأمر الواقع، وهي من أهم المراحل التي يمر فيها كل من فقد أحد أطرافه، ففي هذه المرحلة قد تتحول جميع الحالات السابقة إلى اكتئاب من الصعب إخراج المريض منه، أو قد تتحول إلى حالة قوة ومثابرة ورغبة شديدة في الحياة، وهي الحالة التي يسعى لها جميع المعالجين النفسيين.
على الرغم من أنّ “وليد الراشد” لم يفقد أحد أطرافه إلاّ أن العمليات الكثيرة التي اضطر للخضوع لها، والتي وصلت إلى 10 عمليات تقريباً خلال 8 أشهر، أدخلته في حالة كآبة وحزن، وهي حالة لا تشبهه أبداً، إلاّ أن الدعم الذي تلقاه من أصدقائه وعائلته، من كافة النواعية، ساعدته كثيراً وخلقت أملاً جديداً لديه بإمكانية أن يكونوا المستقبل أفضل مما عليه الحاضر…
هذه الناحية من الدعم وخاصة العائلة والمقربين من الشخص تشدد عليها الدكتورة “علوان”، وتعتبرها إما خلاصاً حقيقاً للمريض من كل ما كان يعانيه أو يمكن أن تزيد حالته سوءاً، فـللعائلة دور مهم في الدعم النفسي وإعادة إشتراك المريض في المجتمع في ظل غياب المختصين بهذا المجال في المراكز الموجودة بالداخل السوري.
“أبو النور” الذي أصيب في ريف حمص الشمالي لم تبدأ معاناته عندما اكتشف بعد المعالجة إصابة أطرافه السفلية بالشلل، بل رحلة المعاناة تلك استمرت وازدادت أكثر مع الاضطرار للإنتقال إلى الشمالي السوري واضافة أعباء الوضع الاقتصادي وعدم توفر فرص عمل مناسبة بحكم وضعه الخاص.
في هذا الجانب أيضاً يقع الحمل الأكبر على المؤسسات العاملة التي لابدّ لها من استيعاب الأشخاص الذين لا تشكل حاجته الخاصة عائقاً في أداء عملهم الوظيفي، فالكثير من المؤسسات خارج سوريا تضع نسبة محددة من ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن خطّة التوظيف الخاصة بها في الوقت الذي لا نستطيع فيه استيعاب من خسر نصف حياته في سبيل قضية آمن بها، وهي القضية التي خرج “محمد هويش” لتغطيتها وتوثيقها والنداء بها، والتي كلفته بتراً في الساق اليسرى وكسراً باليمنى، مما قيّد حركته وتنقله وعمله الإعلامي بشكل عام، ولعل قلّة ظروف العمل وعدم التنقل على شخص تعوّد دائماً على الحركة تعتبر أسوأ من الإصابة نفسها.
يذكر أن الشمالي السوري في الفترة الأخيرة شهد افتتاح العديد من المراكز التي تعنى بتركيب الأطراف الإصطناعية بالمجال لضحايا الحرب، لكن يبقى الدعم واعادة التأهيل النفسي والجسدي وفرص العمل لإعالة العائلة من الأمور التي لا يمكن تجاهلها و اغفالها على حساب المعالجة الفيزيولوجية فقط.
https://www.facebook.com/fm.watan/videos/1430883160399341/