ربما يعتبر الجهاديون أنفسهم قدوة للمسلمين، ولا شك أنهم يرفعون شعارات إسلامية عظيمة، لكن من حق بقية العرب والمسلمين أن يتساءلوا بناء على ما وصلت إليه الأوضاع في بلادنا: ماذا استفدنا من التنظيمات الجهادية على مدى عقود؟ ماذا استفدنا من تنظيم القاعدة في أفغانستان؟ ماذا استفدنا من داعش في العراق وسوريا؟ ماذا نستفيد الآن من بقية التنظيمات الأخرى في سوريا وليبيا واليمن، خاصة تلك التي بدأت الآن تتقاتل على الغنائم بشكل مفضوح بعيداً عن أحلام الشعوب بالحرية والكرامة؟
أليس من حق العرب الذين آمنوا بالثورات العربية أن يضعوا ألف إشارة استفهام على ظهور تلك التنظيمات في أخطر مرحلة يمر فيها العالم العربي؟ قد يكون لتلك التنظيمات مشاريعها الذاتية الخاصة، وقد تعتبر نفسها ردة فعل طبيعية على الظلم والطغيان في المنطقة، لكن أليست العبرة دائماً في النتائج؟ ماذا استفاد الحالمون بالحرية في سوريا والعراق واليمن وليبيا في النهاية من الجماعات الإسلامية على أرض الواقع السياسي والدولي؟ ألم تكن تلك الجماعات السبب المباشر في عودة المستعمرين إلى المنطقة بحجة مكافحة الإرهاب؟ ماذا استفادت المنطقة، وخاصة العراق من داعش وغيره مثلاً. هل تراجع النفوذ الأمريكي والإيراني في العراق مثلاً؟ بالطبع لا، فما زالت إيران تتحكم بكل مفاصل العراق، وتتمدد في سوريا ولبنان واليمن والخليج. ومازالت أمريكا تحكم قبضتها على بلاد الرافدين.
والسؤال الأهم: هل فعلاً دخل تنظيم الدولة الإسلامية إلى العراق من سوريا، واحتل محافظة الموصل ومحافظات عراقية أخرى رغماً عن الأمريكيين، أم بتسهيل وغض الطرف منهم؟ ألم تكتشف الأقمار الصناعية الأمريكية بضع عربات روسية دخلت أوكرانيا بسرعة البرق؟ هل يعقل أن تلك الأقمار لم تستطع اكتشاف جحافل السيارات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية وهي تدخل الموصل وبقية المناطق العراقية والسورية؟ هل يعقل أنها لم تر جماعات الدولة وهي تتنقل داخل سوريا، وتستولي على مدن ومطارات في أرض مكشوفة؟
هل سيسمح العالم، وخاصة الغرب بقيام دولة جهادية بين العراق وسوريا بالطريقة التي تحلم بها التنظيمات الإسلامية المقاتلة؟ ألا يُخشى أن يكون ظهور الجهاديين بكافة تشكيلاتهم خلال الست سنوات الماضية حلقة جديدة في سلسلة المشاريع الجهنمية الغربية المرسومة لمنطقتنا؟ أليس من حق البعض أن يعتبرها مسمار جحا جديداً في المنطقة تستخدمها القوى الدولية كحجة، كما استخدم جحا مسماره الشهير، لإعادة رسم الخرائط وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ؟
أليس كل الجماعات التي يصفها العالم بـ«الإرهابية» استغلتها القوى الكبرى أفضل استغلال لتنفيذ مشاريعها في أكثر من مكان؟ فعندما أرادت أمريكا تأمين منطقة بحر قزوين الغنية بالنفط، فكان لا بد لها من احتلال أفغانستان. وماذا كانت الحجة؟ ملاحقة تنظيم القاعدة في أفغانستان. ذهبوا إلى هناك منذ أكثر من عشر سنوات ومازالوا هناك. ألم تكن القاعدة هي الشماعة لاحتلال أفغانستان؟ حتى في غزو العراق استخدمت امريكا حجة وجود القاعدة هناك بالإضافة إلى أسلحة الدمار الشامل. ألم تصبح الجماعات المتطرفة شماعة لكل من يريد أن ينفذ مآربه هنا وهناك؟
ألم يوظفوا تلك الحركات جيداً لتحقيق غاياتهم الاستراتيجية؟ فبحجة الجماعات الإرهابية أصبحت كل منطقتنا مستباحة أمام القاصي والداني كي ينفذ كل ما يريد بحجة مكافحة الإرهاب؟ اليوم بإمكان الأنظمة الدولية القيام بكل الجرائم و الموبقات والخطط في المنطقة بحجة محاربة داعش والتنظيمات الجهادية، وبذلك تلقى دعماً كاملاً من شعوبها خوفاً من داعش، ولن يعارض أحد، لأن كل من يعترض يشتبه بصلته بمن يسمونهم الإرهابيين. وحتى لو بقي الجهاديون، وتمددوا كما يتوعد مؤيدوهم، هل سيكون ذلك مجاناً، أم على حساب جغرافية المنطقة وخريطتها؟
ما هي الصفقات الدولية والعربية والإقليمية التي تتم من وراء الستار تحت شعار مكافحة إرهاب الإسلاميين؟ ألا يخشى أنه كلما ازداد تضخيم الجماعات الجهادية إعلامياً كانت المنطقة على موعد مع خازوق تاريخي من العيار الثقيل؟
ألم يتم من قبل تضخيم خطر القاعدة، ثم انتهى قائدها مرمياً في البحر للأسماك؟ أليس من حق الكثيرين أن يخشوا الآن من تكرار السيناريو المعهود في سوريا ودول أخرى مجاورة تحت حجة مكافحة الإرهاب الداعشي؟ ألم يؤد ظهور التنظيمات الإسلامية المقاتلة وأخواتها في عموم المنطقة إلى وأد الثورات العربية وأحلام الشعوب بالتحرر من الطغاة وكفلائهم في الخارج؟ ألا يؤدي إلى إنهاك المنطقة وشعوبها واستنزافها وتمزيقها؟ ليس صحيحاً أبداً أن ضباع العالم لم يكونوا بحاجة للجماعات الإسلامية كي يبرروا تدخلهم في المنطقة، ويعيدوا رسم خرائطها والهيمنة على ثرواتها المكتشفة حديثاً؟ وليس صحيحاً أنهم كانوا قادرين على الدخول إلى المنطقة بهذه الفجاجة لو لم يتحججوا بداعش وأخواتها؟ أليس من حق الشعوب أن تكرر السؤال القديم: هل الجماعات الإسلامية حركات ثورية فعلاً، أم إن سادة العالم يستخدمونها دائماً كشماعة إما لإجهاض التغيير والقضاء على أحلام الشعوب في الحرية والتحرر من الظلم والطغيان، أو كمسمار جحا لإعادة تشكيل المنطقة حسب المخططات الاستعمارية الغربية الجديدة؟
لا شك أن القوى الكبرى كانت تستطيع على مدى التاريخ اختراع الذرائع لاستعمار هذا البلد أو ذاك، وكان بإمكانها أن تجد أي ذريعة أخرى لتدمير بلادنا وتفتيتها واستعمارها غير الإسلاميين، لكن ألم تستخدم هذه المرة ذريعة الإرهاب الإسلامي الذي تمثله الجماعات الجهادية كي تفعل فعلها في هذه المنطقة؟
المصدر : القدس العربي