بعد موافقة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خطة تسليح وحدات حماية الشعب الكردية، وما تبع ذلك من ردة فعل تركية معترضة على هذا القرار، وما يعبر عنه واقع الأرض بعد اتفاق الاستانة، من توفير فرصة توسع للقوى العابرة للقارات المدعومة إيرانيا وروسيا، فذلك يفرض على أميركا والقوات السورية المعارضة الوصول إلى صيغة عمل تحت مسمى تحالف. والأمر هذا يستدعي فهم ظروف كل من الطرفين وطبيعة البيئة التي يعملان من خلالها. عملية إيجاد الشركاء ليست بالسهلة بالنسبة إلى الجانب الأميركي، في نقاط تعرض للعرقلة التشارك الأميركي مع القوات العربية: كانت أولاها اختلاف الأولويات، فأولوية واشنطن القضاء على داعش، في الوقت الذي تصر فيه القوى العربية على أولوية إسقاط الأسد.
فعلى مدى ما يزيد على ثلاث سنوات من إعلان الولايات المتحدة الأميركية حربها على القوى المتطرفة في سورية، لم تستطع القوى السورية فهم طبية السياسية الأميركية (وهو ما فهمه الأكراد). إسقاط الأسد لا يمكن للإدارة الأميركية إدراجه في خطتها من دون موافقة الهيئة التشريعية. وكون الكونغرس الأميركي سن قانوناً يسمح بمحاربة داعش مع قوات محلية شريكة، يعني أن الهيئة التنفيذية في واشنطن لم تخوّل القيام بأعمال عسكرية بهدف إسقاط حكم الأسد. وعليه فالكتائب الراغبة في نقل علاقتها مع أميركا من مرحلة التنسيق إلى مرحلة العمل المشترك، يجب أن تعي طبيعة عمل القرار العسكري والسياسي الأميركي.
وثانياً، هناك اندماج العديد من الكتائب العربية في هيئة تحرير الشام (النصرة) في العديد من المناطق السورية الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة، الأمر الذي يعتبر خطيراً من أي منظور أميركي كان. فهيئة تحرير الشام هي منظمة إرهابية وعلى رأس قائمة الاستهداف الأميركية، والتعاون والتشارك معها ينضويان تحت بند تهديد الأمن القومي الأميركي. فعلى ما تبقى من القوات العربية الراغبة في أن تكون حليفاً حقيقياً للولايات المتحدة تطهير مناطقها من تنظيم القاعدة. هذه هي الخطوة الأولى، يليها إيجاد مرجعية سياسية ذات برنامج سياسي منفتح ترتكز عليه هذه الكتائب.
قيادة الولايات المتحدة، من جهة أخرى، عليها استيعاب أن ما تبقى اليوم من القوات المعارضة على الأرض السورية، والتي ما زالت تتمسك بالحد الأدنى من مبادئ الثورة، تعاني مصاعب كبيرة، وأخطار قاتلة. من أخطر التحديات انتهازية الفصائل السلفية الجهادية (على اختلاف مسمياتها)، واستغلالها عدم استقرار الدعم المقدم للفصائل الثورية لتفرض عليها التبعية في القول والفعل، حتى ترضخ، وإلا فان الإسلاميين يبدأون الحرب عبر استحصال فتوى شرعية من المرجعية الخاصة بكل فصيل، تسمح بحملات الاعتقال، بل الإعدام أو اغتيال القيادات، كما فعل جيش الإسلام حين قرر تدمير جيش الأمة في الغوطة الشرقية، وكذلك الاشتباك المباشر كما في العديد من المناسبات، كهجوم فتح الشام (النصرة سابقا) على الفرقة ١٣، إحدى فرق الجيش الحر في ادلب، واستخدام جيش الإسلام الدبابات ضد فيلق الرحمن في الغوطة الشرقية منذ عام وفي هذه الأيام.
الفصائل الإسلامية شنت حربها عشرات المرات مستخدمة فيها كل أدوات الحرب الحقيقية اضافة الى الحملات الإعلامية، وقد كُثّفت عبر الآلة الإعلامية التي أنشأتها قوى الإسلام السياسي خلال سنوات الست الماضية، والتي تتكون من شبكات تنشر الأيديولوجيا السياسية المعبرة عن المسار الإخواني المرتبط بالسياسة التركية القطرية. وهناك مسار استثمار طاقات وموارد كبيرة لخلق جيش من الإعلاميين والمنصات الإعلامية الإلكترونية، إذ تتحول هذه المنصات عند اللزوم إلى مقصلة تنقضّ على رقبة من يحاول إزاحة الرأي العام السوري لغير مصلحة مسار دعم السلفية الجهادية والثلاثي الإسلامي (تركيا وقطر وجماعة الإخوان المسلمين).
ما تبقى من القوات العربية المعتدلة، وبعد تجارب الإفلات من الوحش الإسلامي خلال السنوات الست الماضية، لم يعد يمكنه البقاء والنجاة إلا عبر خيار وحيد، هو إيجاد خط يربط عمله بمؤسسة رسمية كوزارة الدفاع الأميركية، بحيث يكون للعلاقة شكل واضح المعالم، كعلاقة البنتاغون بقوات سورية الديموقراطية، وكتائب البادية السورية مثل المغاوير وشهداء القريتين.
المصدر : الحياة