عندما يعرف المرء أن السعودية ضغطت على الدول الأفريقية المسلمة بشتى الوسائل، كي تقطع علاقاتها الديبلوماسية مع قطر، ينتابه نوعٌ من الاستغراب لهذا الإصرار على إلحاق الأذى، ويصاب بصدمةٍ كبيرةٍ حينما يعلم أنها استخدمت في المقايضة سلاح تأشيرة العمرة والحج.
من المفروض أن زجّ الأماكن المقدسة في النزاعات البينيّة من المحرمات، وليس من حق السعودية أن توظفها هذه الوظيفة في أي ظرف، وتحت أي شكلٍ من التهديدات.
لم تترك إجراءات الإمارات ضد قطر القدر نفسه من التأثير السلبي لدى القطريين، ولم ينظر إليها الرأي العام على مستوى النظر نفسه الذي منحه للإجراءات السعودية، والسبب مكانة السعودية العربية والإسلامية، فهي صاحبة الدور البارز في قضايا العرب والمسلمين منذ الملك عبد العزيز آل سعود.
شعور بالصدمة في الشارع العربي والإسلامي تجاه قطع العلاقات الديبلوماسية مع قطر، وفرض حصار ومنع دخول المواد الغذائية، ومنها حليب الأطفال في شهر رمضان.
لم تستجب الدول الأفريقية لضغوط السعودية الكبيرة، ومنها دولٌ تربطها علاقات تاريخية بالرياض، مثل السنغال التي أيدت، من دون شروط، سياسات السعودية ومواقفها في أزمات سابقة، وأرسلت قواتٍ لتشارك في “عاصفة الحزم” في اليمن، ولكنها نأت بنفسها عن عملية الاصطفاف ضد قطر.
ومثلما رفضت السنغال السير وراء السعودية في طريق حصار قطر، فإن دولا أخرى، مثل الصومال، لم تستجب، على الرغم من الضغوط التي تعرّضت لها، وهي البلد الذي يحتاج إلى كل أشكال المساعدات، ولكنه ترفّع أن يضع حاجاته في ميزان المساومة.
تكشف ضغوط السعودية وردود الفعل عليها عن مسألتين هامتين. الأولى أن التأييد الذي حصلت عليه السعودية لم يأت نتيجة قناعة، بل هو حصيلة تهديداتٍ وضغوطٍ وإغراءات. والثانية أن عدد الذين ساروا في ركب السياسة السعودية قليل جدا، ويقتصر على دولٍ تأثيرُها محدود جدا، مثل جزر القمر وموريشيوس والمالديف. وفي الحالين، يشكل ذلك ضربةً لحسابات السياسة السعودية ومصداقيتها، وهي السياسة التي لم تكن على هذا القدر والخفة والتسرع كما هي عليه اليوم، الأمر الذي يستدعي مراجعةً عاجلة تنطلق من وقف هذا النهج المتهوّر، الذي من شأنه إلحاق ضرر كبير بمكانة السعودية على المستوى الإسلامي.
أن لا تجد السعودية بلدا عربيا يقف معها في حصار قطر أمر يجب أن يشكل درسا قاسيا لمن اتخذوا قرار قطع العلاقات والحصار، ويستدعي الموقف العربي دراسة معمقة، سواء ما يخص تلك الدول التي رفضت مقاطعة قطر أو التي قررت التضامن معها علانية، مثل المغرب والجزائر، أو التي أخذت جانب الوساطة مثل الكويت، أو التي قدمت تسهيلات لتعويض نقص المواد الغذائية مثل سلطنة عمان.
ليس جميع هذه المواقف نابعا فقط من تضامن أخوي وإنساني مع قطر، بل يشكّل بعضها نوعا من الاحتجاج على السياسة السعودية بصوت عال، فهي، في هذا الموقف، جانبت الحكمة التي ميّزتها عقوداً، لتقع في خانة التهور والتعالي، والعمل وفق مبدأ معنا أو ضدنا.
إذا لم تستفد السعودية من دروس أزمة قطر، وتراجع سياساتها، فإنها ستجد نفسها تقع في الخطأ تلو الخطأ، وربما قادها الغرور والتعالي إلى أخطاء قاتلة في ظرف عربي وإقليمي ودولي على قدر كبير من الدقة، والأخطر من ذلك كله أنها لن تجد من يقف معها، حين تواجه الأزمات التي تنتظرها، ويجب أن تتعلم من دروس هذا الشهر، فإذا كانت قد نجحت بشراء موقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالمليارات، فإنها فشلت في شراء مواقف دول فقيرة، برهنت على أن الاستقلالية لا ثمن لها.
المصدر : العربي الجديد