ميشيل كيلو – أسابيع حمّالة مفاجآت؟

يحيّر السوريين السؤالُ عن إمكانية الحل السياسي وموعده أكثر مما يحيرهم أي سؤال آخر. أما حيرتهم المعذّبة، فمردُّها فقدانهم الثقة بوجود حل في ظل خروج قضيتهم من أيديهم، وعجزهم عن ممارسة أي تأثير جدي ومنظم على الممسكين بأوراقها، من الأجانب والعرب، ناهيك عن افتقارهم إلى قيادة، وتهافت دور ممثليهم الذين يبدون أقرب إلى المتفرج على مأساتهم، منهم إلى جهةٍ تتابع أهدافاً يرتبط بها مصير الملايين منهم الذين ينتظرون حلاً يرد الكارثة عمّن لم تبتلعهم بعد محارق ومجازر الأسد وإيران وروسيا.

لمتابعة التطورات التي تلعب دوراً تقريرياً بالنسبة للحل، يجب أن نتوقف عند بناء عسكر واشنطن، منذ نيف وعام، قواعد عسكرية على الأرض السورية، تمتد من شمالها وشرقها إلى جنوبها الغربي، تشكل، مع مثيلاتها في شمال العراق، بنية استراتيجية متكاملة، قد تكون بديل البنية التي فشل الأميركيون بإقامتها في العراق، بعد غزوه بين عامي 2003 و2010. هذه البنية ترابط فيها قوة عسكرية عديدها عشرة آلاف جندي وضابط، يمتلكون مدافع ودبابات وراجمات صواريخ وطائرات وسفناً حربية، كلفوا بقطع طرق إمداد إيران إلى سورية ولبنان، وبإغلاق الحدود العراقية مع سورية، والمساعدة على طرد “داعش” من محور الرقة/ دير الزور/ الميادين/ البوكمال الذي ستتولى إدارة مدنه وقراه مجالس مدنية منتخبة وفصائل من الجيش الحر. بعد إنجاز هذه المهام، يأمل الأميركيون أن يحدث تحوّلٌ مفصليٌّ في الوضع السوري يبدل حسابات الروس، ويحد من قدرة إيران على معارضة تفاهم دولي على حل، والأسد على إحراز نصر عسكري.

هل تبني واشنطن هذا الوضع العسكري في سورية، لكي تخوض حرباً بقواتها المباشرة ضد إيران والنظام وروسيا، أو لأنها تريد التراضي مع موسكو على حل سياسي، انطلاقاً من التوازن العسكري بينهما، أو من تفوقها عليها. وفي الحالتين من إنهاء انفرادها بالشؤون السورية؟ بغض النظر عن أن للانتشار الأميركي مهام تتخطى سورية إلى الإقليم، وخصوصاً منه إيران، فإن فاعليته كانتشار مستقر تتطلب العمل لإيجاد بيئةٍ تضمر حلاً سياسياً، يلبي مصالح روسيا أيضاً، ويقلص مصالح إيران ودورها في إدامة الصراع السوري.

ما هي التنازلات التي ستطلبها كل دولة من الأخرى؟ سيقرّر الرد على هذا السؤال صورة الحل وهويته، وما إذا كان تقاسم النفوذ السياسي والحضور العسكري بين الدولتين سيتعارض مع وحدة سورية دولة ومجتمعاً، أو سيكتفي بطمر نيران الصراع تحت رماد تفاهمهما وحسب. سيعزّز توازن القوى بين روسيا وأميركا فرص الحل السياسي الذي يعطله اليوم أمران: بدائله التي تطورها روسيا بصورة منفردة، وعدم اكتمال البناء العسكري الأميركي، وبالتالي محدودية قدرته على تنفيذ مهمته الرئيسة: منع إيران من الوصول البري الحر إلى سورية ولبنان، الذي سيحقق عسكر واشنطن، لكونه يحدد استباقياً جزءاً رئيساً من نتائج المعركة ضد طهران التي ستبلغ أوجها بعد لف سورية بحزامين أرضيين، سيمتد أولهما من شمال العراق إلى المتوسط بمحاذاة الحدود التركية، وثانيهما من حدود العراق الشمالية إلى الأردن وفلسطين بمحاذاة حدود إيران الأمنية، وسيضع قيامهما “سورية المفيدة” الروسية بين فكي كماشة، لن تكون إسرائيل بعيدة عنها، ربما كانت ضرورية لإقناع الروس بالتخلي عن إيران، مقابل تقليص دور تركيا السوري.

هل سيكون الحل موضعياً يطبق في موقع واحد، ثم ينتقل تدريجياً إلى غيره، بحيث يسهل تنفيذه في ظل وقف إطلاق نار شامل يسبقه، يتيح انصراف القوتين الكبيرتين إلى ضبط أوضاعهما داخل سورية وخارجها، والتحكم بمشكلاتٍ قد يتسبب بها هذا الطرف أو ذاك، وخصوصاً إيران؟ أعتقد أن الحل المتدرج، في ظل وقف إطلاق نار شامل، ويسمح للسوريين بالعودة إلى وطنهم، يمتلك فرص نجاح حقيقية، سيزيد منها التزام الدولتين بهدف جنيف: نقل سورية إلى الديمقراطية بديلاً للنظام الأسدي.

تبني أميركا قاعدة استراتيجية، سيكون إنجازها لحظة فارقة في الصراع على سورية وفيها، ستأخذنا إما إلى حلٍّ بتراضٍ أميركي/ روسي، شامل أو متدرج، أو إلى خوض صراعٍ مباشر بقواهما العسكرية، سيبدل جذرياً طابع الصراع الذي عشناه حتى الآن، يجعله توازن قواهما من دون جدوى أو عائدٍ لأي منهما، بينما يتيح الحل لهما ملاحقة أهدافهما غير السورية أيضاً. أي هذين الاحتمالين يرجّحه توضع القوتين عسكرياً في سورية؟ هذا ما سنعرفه في الأسابيع القليلة المقبلة.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى