في حوار فضائي، توعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الممثلة لما يسمّى “حزب الله”، أمين عام تيار المستقبل الشيخ أحمد الحريري، بقوله “الحريري حسابه بعدين”، وذلك تعليقا على بيان أصدره الحريري أدان فيه تسلط ما يسمّى بـ“حزب الله” على الدولة اللبنانية.
نستعير مصطلح بطريرك لبنان الدائم مار نصرالله بطرس صفير “ما يسمى بحزب الله” ردا على تصريح سابق لرعد “الأقرب إلى الله يكون النصر حليفه، ونحن حزب الله وعباده”، فالله لم يسم وكلاء الثورة الإيرانية في لبنان حزبا له، بل هم من زعموا ذلك، وهو زعم لا قيمة له لأن الله هو من يصطفي لا من يصطفى.
“حسابه بعدين” هي الجملة المفتاحية لحال عملاء إيران اليوم، خصوصا في لبنان، إذ أننا أمام حالة غرور متعالية من فائض القوة، وهي مرحلة سماتها فقد الاتزان ورعونة المنطق تستوجب حماية أصحابها من أنفسهم، فمن فقد عقله عاجز عن قياس حجمه أو القيام بمصالح ذاته أو كف أذاه عن الآخرين، أي أننا نتعامل مع سفهاء لا دواء لهم إلا الحجر أو القصم.
ما يسمّى بـ”حزب الله” لا يدرك أنه أصبح وحيدا في موضوع اليمن على سبيل المثال، فعبدالرحيم مراد أحد الحلفاء السنة لعملاء إيران، تمايز عنهم في ملف اليمن، وحليفهم الشيعي نبيه بري يلتزم الصمت، وحليفهم المسيحي ميشال عون لا يجاريهم تماما.
كرس السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير عزلته عن الواقع، فالرجل ينوح على اليمن وعلى البحرين ولا يبالي بالشعب السوري كما أشار الإعلامي المتألق نديم قطيش، والأخطر من ذلك طرحه في الملف الرئاسي اللبناني، فالسيد أوعز الفراغ إلى أزمة سلطة ليطالب الفرقاء اللبنانيين بالاستماع إلى المبادرة الكاريكاتورية لتابعه ميشال عون.
مبادرة عون تخرق الدستور اللبناني بلا مبرر، لا يوجد نظام برلماني في العالم ينتخب فيه الرئيس مباشرة من الشعب، وحتى الاستثناء التركي جاء في سياق تحول النظام البرلماني إلى نظام رئاسي أو شبه رئاسي، لذلك لا معنى لمبادرة عون إلا إذا كان هو وأسياده (إيران وحزب الله وسوريا) يريدون تغيير النظام اللبناني ومناصفته الإسلامية – المسيحية.
الأهم من ذلك، أن سبب الفراغ هو تعطيل عون والحزب الإلهي للانتخابات، يزعمون أولا أن السنّة هم من يختارون زعيم أغلبيتهم رئيسا للحكومة وعليه يجب أن يكون زعيم الأغلبية المسيحية رئيسا للجمهورية، وهذا غير دقيق، فحزب الله وحلفاؤه اختاروا نجيب ميقاتي رئيسا للحكومة عقب سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري رغما عن إرادة السنة، وفي حالة فؤاد السنيورة أو الحريري أو تمام سلام، صوّت لهم جميعا عون و(حزب الله) مثلما صوت لهم النواب السنة، أما زمن الوصاية السورية فقد جاء سليم الحص وعمر كرامي رغما عن إرادة السنة، وخلال الحرب الأهلية وما قبلها لم يكن قرار اختيار رئيس الحكومة بيد السنة مطلقا.
في حالة انتخابات الرئاسة يذهب المرشحون إلى البرلمان وإذا فشلوا في الوصول إلى الرئاسة الأولى يلجأون للتفاوض على بديل، لكن حزب الله وعون، لا يذهب نوابهم إلى البرلمان ويرفضون التفاوض على خيار ثالث. وإلقاء تبعة التعطيل على مرشح 14 آذار الرئاسي د. سمير جعجع غير منطقية، فالرجل أعلن قبوله للانسحاب في حال قبول الطرف الآخر لمبدأ التفاوض.
ليس هناك ما يقنع به حسن نصرالله أتباعه وتابعيه في موقفه المتطفل على اليمن، فمن تفهم موقفه من الثورة السورية يتساءل -ولو بصوت خفيض- “وما دخلنا نحن باليمن؟”. بل لعلي لا أتجاوز حين أقول، إن حسن نصرالله نفسه مستاء من الأوامر الإيرانية الصادرة إليه بالتصعيد الدعائي والسياسي يمنيا بديلا عنها، وعدم اقتناعه هو نفسه، سبب عجزه عن إقناع أتباعه وتابعيه بخطابه المتهافت والضحل، ولا أستبعد حنقه الباطني على أسياده الذين أشعروه بمهانة حال العميل.
نصرالله وعون أيضا، ليس لديهما ما يقنعان به الداخل والخارج، عن تعطيلهما لملف الرئاسة، فهما يعلمان قبل غيرهما، أن كلمة السر الإيرانية في لحظة إقليمية قريبة، ربما تجبرهما على الانتحار أو على الانسحاب لصالح التوافق الدولي. وحينها سيظهر (حزب الله) وعون في خانة المسؤولين عن الإتيان برئيس مسيحي ضعيف.
الملف السوري هو ورطة نصرالله الكبرى، فالبداية كانت بذريعة الدفاع عن المقامات المقدسة، لكنها سقطت، فالنظام العاجز عن حماية المقامات عاجز عن إدارة شؤونه أو الدفاع عن نفسه غير انعدام استحقاقه في البقاء، إضافة إلى ذلك، فساحات المعارك بعيدة عن مواقع المقامات. وما ينطبق على هذه الذريعة يستمر إلى ذريعة حماية الشيعة الذين لم يدخلوا في دائرة الخطر إلا بجناية تدخل الحزب في سوريا.
ثم جاءت الذريعة الثانية التي لا تقل تهافتا عن الأولى، مواجهة التكفيريين ومناصرة بشار الأسد ضدهم وضد المؤامرة الكونية التي يواجهها. نظام الأسد هو البيئة الحاضنة والمفرّخة للإرهاب والتكفير أصالة ووكالة، عبر الصناعة المباشرة كما جرى مع تنظيم (فتح الإسلام)، أو التنسيق العضوي كما جرى مع تنظيم القاعدة في العراق، أو الدعم غير المباشر عبر الاستهدافات الطائفية للسنة، أو التحالف الموضوعي المذهل مع تنظيم داعش الذي يستهدف حصرا معارضي الأسد وتشويه صورة الثورة الشعبية السورية.
ليس هناك دليل على إرهابية الأسد ونظامه أوضح من تحالفه مع (حزب الله)، دعك من سجلّه الأسود في غسل الأموال وعمليات الإرهاب وتجارة المخدرات في أوروبا وأميركا الجنوبية وأستراليا ودول الخليج، دعك من حربه الطائفية ضد السنة في العراق وفي سوريا وفي لبنان، دعك من صفحته اللبنانية المظلمة في استهداف شهداء ثورة الأرز وأحداث 7 آيار وتملصه من المحكمة الدولية، يكفي فقط دفاعه المستميت عن الإرهابي المجرم ميشال سماحة، فلا يكفي أن يكون الحزب إرهابيا، بل مدافعا عن الإرهابيين أيضا.
هل يمكن أن يرشدنا السيد حسن نصرالله إلى جبهة واحدة فقط بينه وبين داعش؟. يزعم (حزب الله) أنه في سوريا لمواجهة الإرهاب، لكن تدخله ذلك أدخل الإرهاب إلى الضاحية الجنوبية فاضطر للجوء إلى الدولة اللبنانية، وحين تم اختطاف العسكر اللبنانيين من داعش وجبهة النصرة تملص الحزب من ادعاءاته ورمى ملفهم في ملعب الدولة. إن تضاؤل مساحة إسرائيل في خطاب نصرالله لصالح توسع مساحة التكفير، يعني اصطباغ الحزب باللون الطائفي الإرهابي تماما.
ليس هناك مؤامرة كونية على الأسد، فالثورة استنزفت كل سلمية ممكنة حتى لم يعد هناك مفر من حمل السلاح، واللجوء إلى السلاح دليل على تخلي العالم عن الشعب السوري فوق استبداد طاغيتهم.
حزب الله فاقد الحجة لبنانيا وسوريا ويمنيا، وهذا يعني من الناحية الموضوعية أنه وحيد تماما، فما من أحد حوله إلا السند الإيراني العضوي ومن يستفيد من فائض القوة أو فائض المال، ليكون حاله كحال الشاعر الذي قال: الماء حولي من كل مكان، ولا قطرة صالحة للشرب.
“حسابه بعدين” الجملة التي هدد بها محمد رعد، بمثابة تهديد صريح باغتيال أحمد الحريري، وبمثابة حل الشيفرة لأحوال ما يسمى بحزب الله، من تعال متعجرف وإرهاب ضد الداخل والخارج، ومن المفارقة أن تكون هذه الكلمة أيضا مفتاح أوضاع الحزب المستقبلية، فـ”حسابهم بعدين”.
العرب اللندنية _ وطن اف ام