تشهد الأوضاع في سوريا اختراقات دبلوماسية وعسكرية وشعبية جديدة لمحظورات سابقة.
كان لافتا، على الصعيد السياسي، إعلان السعودية أخيرا عن زيارة قام بها ضابط الاستخبارات السوري الكبير علي مملوك إلى المملكة التقى فيها ولي وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان. وجاء الإعلان بعد أسبوع من تسريب أوساط محسوبة على النظام السوري للخبر، وتزامن مع زيارات قام بها وزير الخارجية وليد المعلم إلى روسيا وإيران وعُمان.
المملكة أوضحت أن اللقاء تمّ بناء على اقتراح روسيّ. وبيّنت لهجة المصدر السعودي عن انزعاج من استغلال دمشق للحدث، إذ اعتبرت أن «اللقاء أسقط القناع الذي يخفي وجه النظام السوري وتعرية رئيسه بشار الأسد أمام الروس».
وجاء الاتفاق الأمريكي الروسي المفاجئ الذي نتج عنه قرار لمجلس الأمن بالإجماع حول جرائم استخدام أسلحة كيميائية، وتصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن وجود «بارقة أمل» في سوريا «لأن روسيا وإيران باتتا تدركان أن الرياح لا تميل لمصلحة الأسد»، ليرفع بورصة التكهنات حول انفتاح الطريق نحو حل سياسي في سوريا.
تشير الأحداث الأخيرة في سوريا حقيقة إلى أن الرياح «لا تميل لمصلحة الأسد» وهناك وقائع عديدة تدعم هذا. فبعد استيلاء فصائل المعارضة المسلحة على أغلب محافظة إدلب الشمالية، تساقطت أغلب قرى سهل الغاب في ريف حماه أمام تقدمها الجديد. وإذا استمر تقدم المعارضة فهي ستصل إلى تل يونس الذي يطلّ على ريف اللاذقية وتصبح «القرداحة»، مسقط رأس عائلة الأسد، في مرمى نيرانها المباشرة.
يضاف إلى ذلك صمود المعارضة أمام حملة تدمير شاملة لمدينة الزبداني وحصار يقوم به «حزب الله» مع جيش النظام، وتقدّم لفصائل معارضة أخرى على جبهتي داريا وجوبر، في ريف دمشق، مما أضاف ثقلاً إلى انتصاراتها في ادلب وحماه.
الحدثان الشعبيان البارزان كانا حصول مظاهرات في اللاذقية عاصمة الساحل السوري، وفي مناطق أخرى كالحي الشمالي وقرية بسنادا، وهي مسقط رأس العقيد حسان الشيخ، الذي قتله سليمان الأسد، ابن عمّ الرئيس السوري، قبل أيام، وكان شديد الدلالة استخدام الجمهور، وهو من الحاضنة الشعبية للرئيس، شعار «الشعب يريد إعدام سليمان».
الحدث الآخر الذي لا يقل دلالة هو خروج مظاهرات في غوطة دمشق الشرقية تندد بممارسات الفصيل المعارض «جيش الإسلام»، والذي باتت حواجزه تتصرف كحواجز النظام السوري. كما تحدثت أنباء عن قيامه بعمليات خطف واعتقال وقتل عديدة داخل المناطق التي يسيطر عليها، وهو ما يشير إلى تململ سكان هذه المناطق من ممارسات الاستبداد وانتهاك حقوق السوريين من أي طرف جاءت.
يأتي ذلك بينما وصلت إلى «القدس العربي» أنباء عن اعتماد «البيت الأبيض» استراتيجية قانونية جديدة ستسمح لواشنطن بالدفاع عن فصائل من المعارضة السورية وتوجيه ضربات جوية ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد.
أسباب هذه التطوّرات عديدة لكنّها ترتبط أساساً بحدثين كبيرين: الأول هو إنجاز الاتفاق النووي الإيراني، وبذلك انتهت ضرورة مراعاة واشنطن لطهران في ساحات اشتغالها، من اليمن، وصولا إلى سوريا ولبنان. والوجه الآخر لذلك أن طهران نفسها ستكون مضطرة للتلاؤم مع حالة «الدولة الطبيعية» التي تلتزم بالقوانين الدولية، مما يرتب انكفاءها بالتدريج عن حالة «الدولة المارقة».
كما أن روسيا، المنهكة بالعقوبات الاقتصادية وتراجع الروبل والتي يستنزفها القتال في أوكرانيا والقوقاز، تجد أن تجربة الاتفاق النووي الإيراني وفّرت لها مكاناً مهما بين مقرّري مصائر العالم وقرّرت أن تستمر فيه.
الحدث الثاني هو دخول تركيّا المباشر في العمل العسكري داخل سوريا، من خلال فتح قاعدة «أنجرليك» لقوات «التحالف» واستهدافها قوات «حزب العمال الكردستاني»، وعملها على موضوع «منطقة آمنة»، مما يدفع عملياً إلى توازنات عسكرية وسياسية جديدة في سوريا.
رغم التعقيد الهائل للوضع السوري فالواضح أن هناك خيوطاً عديدة تتقاطع وتشير إلى أن هيكلية النظام السوري صارت موضوع الصفقة الجديدة الممكنة. لكن مسار المفاوضات حول الاتفاق النووي، الذي يتم البناء عليه، لا يتشابه مع مسار المفاوضات حول سوريا، بسبب طبيعة النظام نفسه، ووجود لاعبين آخرين، إضافة إلى إيران وروسيا وأمريكا.
المصدر : القدس العربي