مقالات

نادية خلوف – السوريون مستمرّون في الهجرة

إنّها غريزة البقاء التي تحكم البشر.
 
يغامر السّوري بكلّ ما لديه من إمكانات، وهو يعرف أنّه قد يموت في البرّ أو البحر، يسعى إلى الحياة، ويستمرّ في فتح أبوابها.
في داخل كلّ سوري نداء يقول له: لا تستسلم للموت. ارحل.
 
كل هذا الذي يجري في سوريّة يحضّر لمرحلة جديدة من التّاريخ في المنطقة. ولا خيمة على رأس أحد.
أصبح سوريون كثيرين مشرّدين، كما أصبح كثير منهم أمراء حرب، بعد أن كانوا يعانون الفقر. هي قوانين الحرب غير العادلة.
دول الجوار لا ترغب بالوجود السّوري على أرضها، لكنّهم موجودون، وسيوجدون بشكل أكبر، وعندّما تشدّد تلك الدّول إجراءاتها، سينعكس الأمر عليها، لا شكّ أنّ في تلك الدّول شعوب ستقف مع السّوري في يوم ما.
 
طريق أوروبا البري أصبح مأهولاً. لا تقف في وجه الراحلين إلى أوروبا حواجز، ولا قوانين دول، هم مصممون على العبور، ولن يتوقفوا.
بعد أن تفاقمت مشكلة المهاجرين في هنغاريا، ووصلت إلى معدلات كبيرة، قررت حكومة هنغاريا غلق الحدود مع صربيا، وبناء سور على طول الحدود في مواجهة الهاربين من الموت. ليس هذا هو الحلّ الشّافي، ولن تستطيع هنغاريا الامتناع عن استقبال اللاجئين، ليس لأنّ ميثاق الأمم المتّحدة ينصّ على ذلك، فهنغاريا من أسوأ الدّول في التّعامل مع اللاجئ السّوري تحديداً، ولا أحد يهتمّ لقوانين الأمم المتّحدة، لكنّ السّوري هو الذي سيجد الحلّ المناسب. جرّبت اليونان بناء هذا الجدار بينها وبين تركيا سابقاً، وتمكّن السّوريون من تجاوزه، هو الطريق البري الذي يربط اليونان بتركيا، والذي فتح السوريون فيه ما يتسع لمرور شخص، أمام كوّة الأمن، وكلّما أغلقت هذه الفتحة يتمّ فتحها من جديد.
حضّر السّوري مقصّه، وهو قادم لفتح سور هنغاريا حالما اكتمل.
 
هذا الضجيج الأوروبي حول تدّفق اللاجئين مبالغ فيه، والأعداد الواصلة متواضعة بالنّسبة إلى الأعداد الواصلة إلى دول الجوار، ويستطيع الغرب لو أراد تقديم الكثير. لا يكفي أن يتمّ القبض على سائقي القوارب، فالمهرّب الأصلي قابع في قصر، على الغرب أن يحلّ مشكلة اللجوء بما يتماشى مع حق الإنسان في العيش في مكان آمن، وهو الذي تبنى حقوق الإنسان، بعد أن ذاق من ويلات الحرب. أما الدّول العربية، وعلى الرغم من كلّ مواقفها من السّوريين، سيأتي يوم يحاسبها أبنائؤها على التّقصير بحق شعب يقتل.
 
لن تستمرّ الحرب إلى الأبد، لكنّها ستلقي بظلالها على المنطقة، وستنشأ قيم جديدة. لا شكّ أنّ السّوري سيحتاج وقتاً ليس قصيراً لكي يبني نفسه من جديد، لكنّه سيستطيع، ولا بد أن يكون المستقبل له، لأنّ إرادة الشّعب هي التي ستنتصر في النّهاية.

 

المصدر : العربي الجديد 

زر الذهاب إلى الأعلى