مقالات

عبد الناصر القادري – الطفل الذي هزّ العالم دون ضميره؟

الضمير.. الكلمة المفقودة على ملايين الصور التي التقطت منذ خمس سنوات من درعا في أقصى الجنوب وحتى دير الزور في أقصى الشمال الشرقي ، وبقي الدم مسكوباً ، ويكأن الموت بكل أشكاله هو ما طلبه السوريون وليس الحرية والكرامة ؟

بات حلمنا اليوم إقامة لاجئ في دولة من دول اللجوء ، قبول جامعي في جامعة ما ، إقامة دائمة ، مرتب شهري لحفنة من اليورو ، لم الشمل ، البلم ، إزمير ، اليونان ، سالونيك ، مقدونيا ، صربيا ، هنغاريا ، ركوب القطار ، هوسُ أوربا .. تعلم اللغة الجديدة ، ميركل ” منحبك ” .. الطفلُ كان في مزاد الهجرة الذي حركته براميل إيران وصبيها في سورية وسماسرة الإنسانية العوراء .

ربما عالم العار الذي نحن فيه ، جعلنا نبيع الكثير من مبادئنا حتى نعيش ، يريدون أن يقولوا لكَ لو بقيت في الحظيرة ولم ترفعْ صوتك ، لبقيت في دارك هنيئاً ولما رأيت مثل هذه الصور المفزعة !! ، هي ضريبة الحياة الكريمة فيما بعد .. الجنون وحده من يصفها.

صورة الطفل الغريق “القاسية جداً” لو تكررت بعد أيام قليلة لما أخذت نفس التفاعل الذي حصلت عليه البارحة واليوم في صدارة غالب الصحف الأوربية والعالمية ، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي كلها تقريباً والتي انتشرت بشكل كبير ومؤثر حد الهذيان .

الطفل يصف الحالة الرثة التي وصلنا إليها ، منذ الشهيد محمد الدرة الذي قتله الصهاينة في حضن أبيه وصولاً إلى حمزة الخطيب المقتول تحت التعذيب بحيونة الإنسان التي تكلم عنها (ممدوح عدوان) ، أطفال الحولة المذبوحين ،  أطفال القبير المحروقين ، أطفال مدرسة الأنصاري في حلب ، حتى لمعة السكاكين الطائفية على رقاب أطفال البيضا في بانياس ، إلى أطفال الكيماوي في الغوطتين ، الطفل الدوابشة الذي حرقه المستوطنين اليهود في فلسطين ، لا تغيب الصور أبداً عن بال أي واحدٍ منا ..

تأتي صورة الطفل الغريق بعدسة غريبة مجهولة ، لولاها لما عرفنا بإيلان الكردي أبداً ، إيلان الذي أصبح إلياذة مقدسة في طريق الإغريق ، حيث لم يستطع البحر ابتلاعه هو أثقل عليه من جبل فحمله إلى اليابسة ، حتى الأسماك لم تقبل التهامه ، بل ربما حملته على ظهورها إلينا لنراه ويراه العالم ، نحن سنبكي كعادتنا ، والعالم سيستنكر كعادته ، والصحف ستكتب ، والشاشات ستذيع الخبر ، عاجل : غرق طفل سوري على شواطئ اللجوء  .. تضج الدنيا ليوم وأكثر ثم نعود لقهوة الصباح مع فيروز ، ويعود المقاتل إلى بارودته لعله يثأر للطفل الغريق بالبحر ، والسوريين الغرقى بالدم .

نظام البراميل المتفجرة ينتقد وحشية العالم في إغلاق السفارات في وجه السوريين الذي هجرهم ابنُ الحرام ، المعارضة السورية تطالب المجتمع الدولي بأن يتقي الله !! .

نشتم الأمة العربية والإسلامية بغضب وتوضع الجامعة العربية على حذاء الطفل مع هيئة الأمم المتحدة حيث أنهما المسبب في غرقه بعد أن أوصدوا أبواب دولهم جيداً في وجه السوريين المهاجرين ، ونلعن حقوق الإنسان ، وقد يحدو بالبعض لأن يكفر ظناً أن الله (حاشاه) يقتل الأطفال ويعذبهم هكذا تقول الأسطورة ؟!!

صدقني يا إيلان سننساك قريباً ، فنحن ذاكرتنا كذاكرة السمك الصغير الذي يكبر فيلتهم إخوته ليعيش ، نحن نمتلك ذاكرة صدأة ، ففي كل طفل يموت نشتم ونلعن ونطلب الغوث ، وتراب الطفل الذي قبله لم ينشف بعد ، لم يمر وقت طويل مذ مسحنا دموعنا الأخيرة .

اعتاد العالم الحقير علينا ، نغير صورنا ، نتوحد في الرثاء ، في الشتائم ، في اللعنات ، هم يعلمون أنهم يستطيعون وقف الدم والهجرة واللجوء وداعش والإرهاب وموت الكبار ويتم الصغار وغرق الأطفال .

هزّ الغريق العالم ، ولكنه لا ولم لن يحرك ضميره ، لأنه عالم العار والسفالة ..

سلامٌ على إيلان في العالمين ، وعلى كل غريق بالماء أو بالدم أو بالركام مثله .

خاص لـ وطن إف أم 

 

 

 

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى