في الحد الأعلى، يريد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كسر ظهر الثورة السورية، ممثلة بالجيش الحر، لاعتقاده أن هذا الجيش اليوم نواة الثورة الصلبة وعمودها الفقري، وأن القضاء على قواه الرئيسة سيجعل من السهل تهميش المعارضات السياسية، أو احتواءها وإخراجها من حسابات الصراع الحاسمة. ويريد، في الحد الأدنى، استعادة ما كان الوضع عليه قبل سقوط إدلب وصمود الزبداني وفك الحصار عن الغوطة الشرقية، واختراق دفاعات النظام ومواقعه حول دمشق، وقد أيقن بوتين أن النظام يسقط بسرعة.
لذلك، قرر المسارعة إلى نجدته بالقتال بدلاً عنه، ريثما يمده بشيء من القوة عبر تدريب عصاباته وتسليحها.
ليس صحيحاً أن السياسة الروسية لا تدري ما تفعل، وتجهل خطوتها التالية، فدخول الروس إلى الحرب وراءه سببان:
ـ اعتبار قوى الثورة السورية بفصائلها كافة، ومنذ أول يوم انطلقت فيه، تنظيمات إرهابية تمارس إرهاباً عجز النظام عن احتوائه، أو كسر شوكته، على الرغم مما وصل إليه من مساعدات، ما يحتم تدخلاً عسكرياً مباشراً، وبغزو واسع يستخدم أفتك الأسلحة والذخائر وأحدثها، يفرضه السياق العام للسياسة الروسية تجاه الربيع العربي عموماً، وثورة الحرية السورية خصوصاً.
ـ انتزاع المبادرة الاستراتيجية من واشنطن، وفرض حل روسي/ إيراني/ أسدي بقوة واقع ميداني، تبدلت موازين قواه جذرياً لصالح النظام، بالتوازي مع تبدل علاقات القوى الدولية والإقليمية/ العربية لصالح تحالف يمسك بمفاصل المنطقة، ويخترق مجتمعاتها ودولها، يضم موسكو وطهران ودمشق وبغداد، وقوى تنتمي إلى الإرهاب الأصولي، بشقيه الشيعي والسني.
من تحصيل الحاصل القول إن روسيا لم تغزُ سورية، لتدخل في حلقة مفرغة، تكون فيها متفوقة تارة، ومغلوبة تارة أخرى. دخلت الحرب كي تنتصر، ليس فقط على الجيش الحر والسوريين، بل كذلك على داعميهم، حقيقيين كان هؤلاء أو مزعومين. ويعلم بوتين، بلا شك، أن فشله أو هزيمته يعنيان نهاية روسيا قوة كبرى ونهايته الشخصية. لذلك، لن يتراجع عن حربه ما لم يدرك أنه سيفشل أو يهزم. ولن يكفي أي كلام في إقناعه بالخروج من الصراع على سورية وفيها. من هنا، إعلان موسكو عزمها على جعل وجودها في سورية محدوداً زمنياً يقصد بها الإعلان عن تصميمها على استخدام قوة مفرطة، بل ساحقة، ضد الجيش الحر، وتجاهل أي قانون أو عرف أو اعتبار دولي أو إنساني، وعزمها على تحقيق أهدافها، مهما كان ثمنها السوري مرتفعاً.
من تحصيل الحاصل القول أيضاً إن هدف روسيا الرئيس هو إعادة الوضع السوري إلى ما كان عليه قبل الثورة، ساحة سياسية يملؤها نظام طائفي مجرم، وشعب مذبوح، خاضع وخانع، طرد الأسد معظمه من وطنه، بينما تحول من بقي حياً منه إلى أسرى في معسكر اعتقال كبير، تسهل تصفيتهم واحداً بعد آخر، فإن استحال تحقيق هذا الحد الأعلى، غدا هدف روسيا كسر الجيش الحر وقتل قياداته وتدميره، وإخراجه من معادلات القوة، واحتواء المعارضات السياسية باستكمال ما بدأه الروس في لقائي موسكو، بإقناع بعض المعارضين بـ “إنقاذ ما يمكن إنقاذه “، بحجة تخلي العالم عن الشعب وضرورة قبول عرض الأسد بالاندماج في نظامه “سبيلاً إلى التغيير”.
دخل جيش روسيا بلادنا لكي يحسم الصراع لصالح النظام بسرعة، وفي وقت قصير. وستظهر حقيقة نياته في أثناء الهجوم الأرضي الذي سيشنه جيش الأسد ومرتزقة إيران ومليشياتها على المناطق التي خسروها شمال وطننا وجنوبه، وفي تدمر في مرحلة لاحقة، حيث تمسي الحاجة إلى إخراج “داعش” منها، لإقامة اتصال أرضي مفتوح بين طهران ولبنان.
دخلت روسيا المعركة، وهدفها شرق أوسط هي سيدته الآمرة الناهية، بحصة ما لطهران، وذلك وضع جيواستراتيجي جديد، ستكون له عواقب كارثية على أميركا والغرب، الذي سيفقد منطقة هي درة العالم الاستراتيجية، ستؤدي سيطرة روسيا عليها إلى إمساكها مفاصل تتحكم بصور حاسمة في الصراع الدولي حول منطقتنا وخارجها، من دون أن ننسى الأثمان الباهظة التي سندفعها نحن العرب، ومنها اكتمال تحولنا إلى مستعمراتٍ، يمسك بها الكرملين، وتشرف طهران ومرتزقتها عليها.
هل يستطيع أوباما قبول هزيمة أميركا وتحجيمها أو إخراجها من المنطقة بالقوة على يد شراكة روسية مع طهران؟ لا نستطيع، سوريين وعرب، قبول تحولنا إلى عبيد والقضاء علينا، ولا خيار لنا غير الرد بكل ما يتطلبه الرد من جهود وتحالفات وتضحيات، لأن انتصارنا سيكون بمثابة ولادة جديدة لشعبنا الذي سينعم بعده بما يقاتل من أجله: حريته وكرامته الإنسانية.
المصدر : العربي الجديد