بعد تصريحات لافتة لوزير الخارجية الأمريكية جون كيري إنه في حال فشل كل من «اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا، والانتقال السياسي الذي أقرته الأمم المتحدة» فإن بلاده تدرس «خطة بديلة» للتعامل مع الوضع، وأنه أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الولايات المتحدة لن تنتظر أكثر من شهر أو اثنين لتحكم على جدية موسكو بشأن المحادثات.
وفي تحذيره لمآلات الوضع إذا لم يحصل حلّ للأزمة السورية عبر طاولة المفاوضات تحدث كيري عن احتمال انهيار سوريا بالكامل وعن صعوبة إبقائها بلدا موحداً، وهو ما اعتبر تلميحاً لإمكان تقسيم سوريا.
روسيا من جهتها، ردّت بتحدّ على تصريحات كيري، من خلال تصريح لوزير خارجيتها سيرغي لافروف أمس الخميس والذي نفى وجود أي خطة بديلة لخطة «وقف الأعمال العدائية» قائلا: «لا توجد أي خطة بديلة لدى روسيا والولايات المتحدة الأمريكية لمسألة وقف الأعمال العدائية في سوريا، ولن تكون إطلاقاً».
وهكذا فإن التصريح الروسيّ لا ينفي وجود «خطة بديلة» لدى أمريكا فحسب بل يقول إنه لا يمكن أن توجد، وهو بذلك يتحدّى الإدارة الأمريكية في تحويل كلماتها البليغة، إلى مسنّنات ودروع وصواريخ وجيوش حقيقية تتحشّد مقابل الحشود الروسية، لا أن تطنّ بطائراتها من دون طيّار في أنحاء الأرض لتقصف قائمة أهداف مختارة من مكتبات مكيّفة داخل أمريكا.
ورغم الاختلاف البيّن بين التصريحين فالتحليل الصحيح لهما هو أنّهما مكمّلان لبعضهما البعض، غير أن الأوّل يظهر الهشاشة الملازمة لشخصية وزير الخارجية الأمريكي، فيما يكشف الثاني فظاظة شخصية نظيره لافروف.
ما تقوله أفعال الإدارة الأمريكية، بغض النظر عن تصريح كيري، هو أن الولايات المتحدة قد كلّفت روسيا إدارة الملفّ السوريّ لأنها غير مهتمة أو معنيّة إلا بمحاربة طرف واحد وهو تنظيم «الدولة الإسلامية» (وإلى حدّ أقلّ، حاليّاً، «جبهة النصرة»، وبعض التنظيمات التي تصنّفها إرهابية)، مثلما هي غير معنيّة بالملفين الليبي أو اليمني خارج سياستها الخاصة بمحاربة «الدولة الإسلامية» و«القاعدة».
المتابعة الدقيقة لآلية عمل الإدارة الأمريكية في المنطقة تظهر أنها غير مستعدة لبذل أي جهد حقيقي لتغيير ما يحصل على الأرض، كاستفحال الاستيطان والإرهاب الإسرائيليين وإقفال أبواب الأمل أمام الفلسطينيين، وانقلاب الجيش المصري على رئيس منتخب، أو استيلاء «حزب الله» على مقدرات لبنان، أو سيطرة الحوثيين على صنعاء، أو انقسام ليبيا إلى حكومتين متحاربتين، أو تحويل سوريا إلى مستعمرة روسيّة، وأن كلّ جهدها منصبّ على منع حلفائها الافتراضيين من الفعل، بما في ذلك تركيّا، البلد المسلم الوحيد في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ودول الخليج العربي.
منطوق تصريح كيري إذن هو أنّه ما لم تستطع روسيا ـ رغم كل الأوراق التي في يدها ـ أن تنجز إخراجاً مناسباً لتسوية تبقي على النظام في سوريا وتؤهّله لانتقال سياسي هدفه إشراك المعارضة والنظام في حرب «الدولة الإسلامية»، بعد أن قامت واشنطن بكل هذا الضبط والربط لحلفائها في أنقرة ومنطقة الخليج العربي، فإنها قد لا تستطيع ضبط هؤلاء الحلفاء وممارسة الضغوط عليهم أكثر.
فظاظة لافروف تفضح ركاكة ما تستبطنه «تهديدات» كيري، وهو أن لا رغبة حقيقية لدى الإدارة الأمريكية في تحقيق «الخطة البديلة»، التي تقترحها تركيا ودول الخليج العربي، عبر فرض حظر جوّي و«منطقة آمنة» وتقديم غطاء دولي لدخول قوّات عربية وتركية إلى سوريا.
غير أن هذا لا يدلّ بحال على أن روسيا قد فازت بسوريا بل يؤكد فشل الاستراتيجية الأمريكية المطبق في التعامل مع ما يجري في العالم العربي، كما يدلّ على أن خروج حلفاء واشنطن الأتراك والعرب عن «السيناريو» الضيّق الذي رسمته لهم – التواطؤ مع روسيا ـ سيكون بسبب عدم قابليته على التطبيق.
اتفاق «وقف الأعمال العدائية»، رغم تشريعه عبر الأمم المتحدة، لن يكون ممكنا، عندما يكلّف الذئب حراسة الخراف.
المصدر : القدس العربي