مقالات

عفيف رزق – بوتين وسورية وعودة الشيشان!

إذا ما تجاوزنا كل ما أشيع حول ما تم سراً بين بوريس يلتسن وفلاديمير بوتين لدى تولي الأخير رئاسة الحكومة الروسية بالوكالة وكل صلاحيات الرئيس أيضاً، واستعرضنا ما جاء في المجلة الفرنسية الفصلية «جيوبوليتيك» التي كانت قد أصدرت عدداً خاصاً، صيف 1998، كرسته للمسألة الروسية، وشارك في إعداده العديد من الإختصاصين في الشؤون الروسية، ومن هذه المواضيع الصراع المستميت للوصول الى السلطة، وجدنا أن أهم ما ركزت عليه هذه المجلة هو المسألة الروسية مستقبلاً، أي من سيتولى السلطة السياسية بعد يلتسن الذي كان يُعاني اضطرابات صحية أرغمته على الابتعاد عن العمل السياسي. وهذا ما فسح المجال لكثير من الشخصيات النافذة للسعي الى احتلال سدة الرئاسة.

فتحت عنوان «خمسة رجال في بحث عن المجد»، استعرضت المجلة أسماء هؤلاء مع مراكزهم الحساسة التي كانوا يشغلونها في الدولة الروسية، على الشكل التالي: الكسندر ليبيد جنرال متقاعد، يوري لوجكوف رئيس بلدية موسكو، فيكتور تشيرنوميردين رئيس وزراء سابق، يفغيني بريماكوف وزير خارجية سابق، وأخيراً غينادي زيوغانوف الامين العام للحزب الشيوعي لاتحاد روسيا. وما يلفت الانتباه في هذه الدراسة عدم ورود اسم فلاديمير بوتين بين هذه الاسماء، ما ينسجم مع اسماء النخبة السياسية الروسية التي كانت تدور في فلك الرئيس يلتسن في تلك الفترة.

لقد تسلم بوتين السلطة عقب حرب كوسوفو، وأول ما اهتم به كان ضعف الموقف الروسي في الرد على الحرب على يوغوسلافيا، بحيث استخلص للمرحلة المقبلة القاعدة التالية: اذا كان موقف الرئيس يلتسن في كوسوفو يشكل عنواناً لتعامل الغرب معه، فإن موقف بوتين في الشيشان، حيث تدور حرب روسية بقيادته، يُشكل عنواناً لتعامله مع الغرب: ففي الحالة الأولى اضطر يلتسن للإذعان لإرادة حلف شمال الأطلسي، أما في الحالة الثانية فاضطر الحلف للإذعان لإرادة الرئيس بوتين.

لقد قيل الكثير حول التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية وتداعياته وأهدافه، إلا أن عاملاً رئيسياً في هذه الحرب بقي من دون الإشارة اليه من قبل المهتمين، هو: تأثير القوى الجهادية المتمركزة في منطقة القوقاز الشمالي، الشيشان وداغستان وأنغوشيا، على الموقف الروسي. فلو سلمنا جدلاً بأن بوتين تعاطى مع الأزمة السورية بالطريقة التي تعامل فيها مع الحرب على الشيشان، فمعنى ذلك ان الحرب التي يقودها في سورية لن تنتهي، بدليل ان الحرب في القوقاز لم تنتهِ حتى اليوم؟

في صباح 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2015 أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن بدء العمليات الجوية الروسية، حيث بدأت الطائرات الحربية تنفيذ عملية جوية في سورية تتمثل بإلحاق ضربات جوية موجهة تستهدف موقع إرهابيي تنظيم داعش على الأراضي السورية. ومما لا شك فيه ان روسيا الاتحادية، عبر هذا التدخل، قلبت الموازين السورية والإقليمية، ويذهب بعض المراقبين الى القول ان التدخل العسكري هو ما منع سقوط النظام السوري الحالي وأنهى حالة تفكك الدولة السورية جغرافياً، كما تحدى النظام الدولي الأحادي القطبية، وأنهى أيضاً حرب الآخرين على الارض السورية، فيما أُغلق أفق الحل السياسي المفضل لدى العديد من القوى الفاعلة ليحل محله الحل السياسي المفضل روسياً، أي تأسيس حكومة إنتقالية مع دور ما لقيادة النظام الحالي.

فإلى جانب الحرب في سورية، هناك حرب أخرى، إنما من نوع مختلف، هي حرب القوقاز الشمالي، حيث كان قادة دول تلك المنطقة قد أعلنوا قبل أشهر تأييدهم لـ «الدولة الاسلامية»، ما أقلق المواطنين والمراقبين الروس أيضاً. ووفقاً لهيئة مكافحة الإرهاب الروسية، وأمام الصحافة، أعلن الناطق الرسمي باسم هذه الهيئة، اندرية يزجيدومسكي، أن أكثر من 832 رجلاً متورطين بالإنضمام الى منظمات إرهابية، هم حالياً ملاحقون من قبل القوات الأمنية الروسية. ووفق رئيس الأمن العام الروسي الكسندر بوتنيكوف، فإن حوالى 900 مقاتل من أصول روسية خرجوا للإلتحاق بصفوف المجاهدين، ويُضيف هذا المسؤول بأن خلايا من داعش تنفذ عمليات ارهابية في روسيا وفي بعض البلدان الأوروبية كما ان هناك كتيبة مؤلفة من أعضاء من أصل قوقازي شمالي يقودها أحمد تشاتاييف الشيشاني المعروف جيداً في المنطقة والذي وُضع اسمه، في تشرين الاول (أكتوبر) 2015، بناء على طلب موسكو، على اللائحة السوداء في الامم المتحدة باعتباره أحد زعماء «الدولة الاسلامية». وتجدر الاشارة الى ان داعش كانت قد هددت في مناسبات عدة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي بمهاجمة روسيا، ووفق الكسندر شوميلين الاختصاصي في موسكو بالقضايا المتصلة بالشرق الاوسط، حصل هذا التهديد في حزيران (يونيو) 2014.

وعلى هذا النحو يفكّر الروس متخوّفين من عودة المقاتلين القوقازيين الى بلادهم وانضمامهم الى اولئك الذين يقاتلون على ارض الوطن للحصول على استقلال تام. وعندها يتصورون أسوأ السيناريوات حروباً ودماراً وتهجيراً وقتلاً!

المصدر : الحياة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى