تبدو روسيا اليوم صاحبة القرار الأول فيما يتعلق بمستقبل سورية. وبناءً على المعطيات الميدانية، صارت في موقع من يستطيع وقف الحرب، ومن في وسعه أن يتركها تستمر إلى ما لا نهاية، وقد حصل الروس على هذه الورقة بالقوة العسكرية، وما كان يمكن لهم أن يحققوا هذا الإنجاز لولا استقالة الأطراف الدولية، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، وعجز الدول الإقليمية ذات الثقل الوازن، مثل تركيا والسعودية، التي تمتنع، حتى اليوم، عن تسليح المعارضة بسلاح مضاد للطيران.
صار الروس يرسمون كل الخطوط في سورية، منذ أن استدعوا بشار الأسد إلى موسكو، في أكتوبر/تشرين أول الماضي. حينها، اشترطوا عليه أن يكون تدخلهم لمساعدته في مقابل أن يسلمهم قراره، وأن يقبل كل عناصر المعادلة التي يختارونها للحل في سورية. وبعد أن أنقذوا نظامه من الانهيار، وأعادوه إلى المشهد، ها هم يرسون على الفيدرالية وتحويل سورية إلى دولة اتحادية، بعد خمسة أشهر من حملة جوية ضارية ضد المعارضة.
لم يتوقف المراقبون طويلاً أمام قول وزير خارجية بريطانيا، فيليب هاموند، في مطلع الشهر الماضي، إن الروس يسعون إلى إقامة “دويلة علوية” لبشار الأسد، ومن ثم تردّدت الفكرة في كلام للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، واقترب منها تلميحاً عدد من المسؤولين المهتمين بالشأن السوري، حتى إن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وضع “الخطة البديلة” التي لوّح بها، في حال فشل المسار التفاوضي، في إطار معادلة قوامها “نجاح المفاوضات شرط بقاء سورية موحدة”، كما ورد على لسانه الأسبوع الماضي. ويبدو كلام كيري ضرباً من ممارسة “التقية”، لأن الولايات المتحدة هي التي أوصلت الموقف في سورية إلى هذه الدرجة من الانحطاط، بحيث بات الروس يتحكمون بمفاتيحه الرئيسية، في حين تحاول واشنطن أن تعفي نفسها من المسؤولية بتقديم موسكو إلى واجهة المشهد.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كان الروس أكثر صراحةً من غيرهم، في رمي هذه الورقة على الطاولة، على الرغم من أن الفكرة على قدر كبير من الخطورة سياسياً وأخلاقيا، فالتاريخ، من جهة، سوف يسجل عليهم أنهم بادروا إلى طرح مشروع تقسيم سورية، تحت اسم الفيدرالية، وتبنّيه وتسويقه. ومن جهةٍ ثانيةٍ، ستقع عليهم التبعات السياسية المباشرة لهذا المشروع، حتى لو سارت فيه وأيدته الأمم المتحدة وأميركا وأوروبا والعالم العربي؟
يبدو الروس مستعجلين لاستثمار ما حققوه في الميدان، ولديهم قناعةٌ بأنهم لا يستطيعون الحفاظ على المكاسب التي انتزعوها، إذا طال أمد الحرب التي تعتمد حتى الآن على القصف الجوي. وتشير كل المعطيات إلى أنهم، لكي يستمروا في تحقيق تقدمٍ، لا بد أن يدخلوا في الحرب عنصر المعارك البرية بقوة، سواء ضد قوات المعارضة أو داعش وجبهة النصرة، وإلا فإن قوات المعارضة سوف تمتص الصدمة، وتبدأ مرحلة حرب استنزاف جديدة لروسيا والنظام، سوف تكون كلفتها عالية مادياً وبشرياً. والسبب الثاني الذي يدفع الروس إلى الاستعجال في استثمار نصرهم هو الخوف من أن يجدوا أنفسهم مضطرين لخوض حرب ضد داعش والنصرة.
على العموم، تتمحور تقديرات الروس أن الحل الأفضل للنظام هو دويلة علوية، كما يضمنون، بهذا الخيار أيضاً، إقامة كانتون كردي على حدود تركيا. وبذلك، ينال حلفاؤهم حصة أساسية من الوليمة.
ربط نجاح الهدنة بوحدة سورية أمر في غاية الخطورة، في ظل عدم وجود مسعى دولي جدي، من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار فعلي. وليس من باب المصادفة أن من يواصل خرق الهدنة، ويطرح تقسيم سورية هي روسيا، وهي، تسعى من ذلك، إلى خدمة الأسد، لكن المسألة قد تتحول إلى لعبة روليت روسية.
المصدر : العربي الجديد