لم يكن لروسيا اي تواجد حقيقي في سوريا بغير قاعدة طرطوس والتي قدمها بشار اسد للروس بعد ان رفضت اوكرانيا تمديد عقد قاعدة مرفأ سيفاستوبول، وبعد ان احتل الروس شبه جزيرة القرم لم يعد لتواجد الروس في طرطوس تلك الاهمية الاستراتيجية لكنهم وجدوا انفسهم مضطرين للبقاء للمحافظة على مصالحهم الحيوية في المنطقة خصوصا بعد أن تيقن بوتين ان ايران مهتمة بإصلاح علاقتها مع الغرب اكثر بكثير من تعميق العلاقة مع روسيا وتجلى ذلك بعد توقيع اتفاقها النووي .
لقد اقامت روسيا بعد دخولها المفاجئ قاعدة جوية في اللاذقية ثم نقلت معدات عسكرية متطورة تضمن لها التفوق والسيطرة على منطقة شرق المتوسط الغنية بالغاز الطبيعي، ثم بدأت بضرب قوى المعارضة بشدة وبقسوة حتى تمنع اقترابها اكثر من مناطق تواجدها ولكي توصل رسالة مفادها ان القوة التدميرية الروسية لا تشبه كل ما خبرته قوات المعارضة في حربها مع النظام بل هي اشد بكثير حتى تستدرجها مستقبلا للرضوخ للتواجد الروسي في مرحلة ما بعد الاسد
ثم وبنفس سرعة تدخلها اعلنت عن بدء سحب القوة العسكرية من سوريا في لحظة حرجة للنظام مع بدء مفاوضات جينيف وهي تعلم تماما ان مثل هذا الاعلان المفاجئ سيترك انطباعا حسنا لدى المعارضة التي ستقول ان روسيا تحرص على مصالحها في سوريا وليس دعم طرف على طرف وبنفس الوقت فلن يضر ذلك الاعلان النظام اي شيء على الارض لان المعارضة ستكون مشغولة بلملمة جراحها التي لحقت بها من ضربات الطائرات الروسية الموجعة .
كما سيخفف هذا الاعلان ايضا اتهامات الغرب لروسيا بدعم النظام واستهداف المعارضة إذ ان الانطباع سيكون انها قد احرجت النظام في لحظة هو بحاجة اي دعم له ضد وفد المعارضة في جينيف .
وفعلا تم تحقيق ما ارادت اذ اعلنت الدول التي ترعى المعارضة ترحيبها بالخطوة وكذلك دول الغرب والنظام تجاهلها تماما لانه يدرك ان المعركة معركة سيطرة على ارض وليست معركة سياسية فهو غير مهتم اصلا بكل ما يحصل في جينيف ومهما كانت مخرجاته .
وفي خضم التحليلات ووسط فرحة السوريين بالخطوة التي اعتبرها البعض انتصارا للثورة نسي الجميع ان روسيا لم تأتي الى سوريا لتهزم المعارضة بل دخلت لتوسع تواجدها العسكري ضمن قواعد روسية استراتيجية لفترة ليست بالقصيرة بل قد تمتد لعشرات السنين بغض النظر عمن يحكم او سيحكم سوريا .
لقد اعترف الروس بصراحة انهم لن يتركوا قواعدهم الجديدة التي انشؤوها في سوريا بل ان الانسحاب سيكون لمن هم خارج هذه القواعد والحقيقة انه لا توجد قوات روسية خارج هذه القواعد.
لقد تزامن الاعلان ايضا مع تفجير انقرة والذي اثار حنق القيادة التركية والتي كانت قررت ليلة التفجير الرد على من نفذوا ومن يدعمهم وقد فهم الروس من هذه التصريحات ان الاتراك لن ينتظروا نتائج الوعود التي وعد الروس بها العرب من ناحية تقليص النفوذ الايراني بسوريا بل ان الاتراك ذهبوا ابعد من ذلك عندما قالوا انه لم يعد هناك خطوط حمراء .
فإعلان روسيا اتى ليقول اننا لا نريد مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات بل كل ما نريده هو تثبيت قواعدنا البحرية والجوية والإبقاء عليها لرعاية مصالحنا الاستراتيجية في سوريا والتي باتت أمرا واقعاً فرض بالقوة .
الخطة الروسية هي الانحناء للعاصفة فقط وتمرير استحقاق جينيف ثم العودة مرة اخرى لدعم بشار اسد ثم التوقف برهة عن دعمه ثم دعمه كلما شعرت ان غير قادر على الوقوف وكل ذلك لكسب الوقت ريثما تجد بديلا جيدا يمكن الاعتماد عليه للالتزام بعقود طويلة الأمد لاستغلال الثروات الطبيعية للمنطقة الغنية بالغاز خصوصا بعد ان اصبح السلعة الرئيسية التي يعتمد عليها بأمن الطاقة العالمي بعد ان شارف عصر النفط على الرحيل.
المصدر : وطن اف ام
الجميع يبحث عن مصالحه ويحشد القوى لتحقيقها
ونحن اين مصالحنا ومن يبحث عنها
ام ان مصلحة السياسيون السوريون هي تحقيق مصالح القوى العظمى حتى ترضى عنهم تبقيهم بالسلطة
الشعب السوري صنع ثورة هزت اركان العالم ولم يستطيع أن يصنع سياسيون بمستوى الثورة والتضحيات
مما جعل كل من هب ودب يفرض مصالحه علينا
فرضنا ثورة على كل العالم ولم نستطيع ان نفرض مصالحنا