مقالات

عبد الرحمن الجليلاتي يكتب : لماذا كانت تدمر

دائما ما أتقن النظام اللعب على كراهية الغرب للإسلام الراديكالي، حتى وصل به الأمر لصنع الحالة الارهابية ثم بيعها للغرب، وقد سوق نفسه مرات عديدة بأنه رأس حربة في مواجهة التطرف الإسلامي ولا يفوت اي فرصة لتذكير الغرب بأنه علماني في مقابل فشلنا في إظهار وجهه الطائفي الحقيقي القبيح والذي كان المجتمع السوري بكامل مكوناته يراه بكل وضوح

بعد الاعلان عن انسحاب الروسي وتسويق الهدنة وبعد الفشل الذريع للدبلوماسية المعارضة للنظام والتي تجلت في مباحثات ميونيخ وجنيف وما لحق ذلك من تخبط وضعف في الأداء الاعلامي والقانوني مقابل أداء جيد لوفد النظام الذي يأخذ كل ما يحصل على محمل الجد رغم هزلية تصريحات فريقه في بعض الاحيان تلك الهزلية المقصودة التي تبعث برسالة للمعارضة السطحية بأنه مستهتر بكل مجريات الاحداث إلا أنه في الحقيقة ومن خلال اختيار شخصيات قانونية رفيعة المستوى والوثائق التي قدمها وكانت محضرة سلفا وما تبع كل ذلك من جدل كل ذلك يشير بوضوح إلى انه يأخذ ما يجري على درجة عالية من الجدية .

وبعدما فشل وفد النظام في اقناع المجتمع الدولي بالسماح لبشار بالاستمرار في الحكم لان احدا لا يستطيع أن يتغاضى عن جرائمه التي وصفت بأنها جرائم حرب من قبل مؤسسات المجتمع الدولي كان لا بد له من العودة للعب بورقة محاربة الارهاب والتي يتقن اللعب بها فركز بشكل كبير عبر اعلامه وبعض اعلام المعارضة للاسف على معركة سهلة لكنها ذات ثقل إعلامي لأهمية مدينة تدمر التاريخية وثقته بأن وسائل اعلام الغرب ستتابع تفاصيلها بشكل يظهر قواته بأنها في خندق واحد مع المجتمع الدولي في معركته ضد الإرهاب وقد كان فقد اعرب كثير من القيادات الغربية عن سعادتهم بما تم انجازه على يد النظام.

بالمقابل لم تستطع المعارضة أن تركز اعلامها على المعارك التي اضطرت لها لمواجهة داعش بل كانت تظهر وكأنها تخجل من تلك المعركة خصوصاً أنها وفي كل مرة كانت تدخل في مواجهة مع القوى المتطرفة العاملة على الساحة السورية كانت تتلقى الاتهامات من حاضنتها الشعبية بأنها تحرف بوصلتها عن اصل المعركة وان اي معركة ان لم تكن في مواجهة النظام فإنها غير مرحب بها شعبيا في نظرة ساذجة جدا لاصل الصراع والذي بدأ مع بداية الثورة السورية والذي يتمثل بثنائية الصراع بين الحرية والاستبداد بغض النظر عمن يمارس ذلك الاستبداد .

وقد ساهم في تثبيت تلك النظرية الساذجة للعامة شيوخ السلفية الجهادية الذين ينبرون في كل صدام يحصل بين الجيش الحر والقوى المتطرفة لاثبات كفر الجيش الحر وتشويه سمعته حتى قبل أن تظهر للجماهير حقيقة الدوافع التي استدعت رفع السلاح ضد ذلك الفصيل من فصائل الجيش الحر.

معركة تدمر معركة محسومة وكذلك أي معركة يخوضها اي طرف ضد داعش لأن داعش بالاصل كذبة كبيرة تم تضخيمها من قبل الإعلام الغربي لزيادة الضغط على القوى الثورية واعادة انتاج الانظمة البائدة التي كاد الربيع العربي أن يودي بها، وإذا سلمنا بصحة التقارير الاستخباراتية التي تقول انه لا يوجد على كامل الاراضي التي تحتلها داعش في سوريا اكثر من ثلاثة الاف مقاتل فإن نظرية تضخيم قوة داعش تصبح اقرب للواقع وبذلك فإن اي معركة يخوضها النظام ضدها هي معركة مؤجلة للحظة ممكن استخدامها اعلاميا تماما كما حصل في معركة تدمر الاخيرة.

بالنهاية فإن تركيز الاعلام الشعبي للمعارضة والاعلام الداعم لها على معارك تنتصر فيها جبهة النصرة على النظام كما يحصل في ريف حلب وإهمال ذكر المعارك التي تخوضها فصائل الجيش الحر ضد داعش في الجنو ب وتطهير مناطق شاسعة منهم فإنه سيكون لهذا الخلل الاعلامي تبعات خطيرة في المستقبل القريب لان النظام يدعي انه بينما تفرغ في ظل الهدنة لمحاربة الارهاب الذي يهدد الغرب تلقى ضربات في الظهر من المعارضة الارهابية المدعومة من بعض الدول العربية كما يدعي، وللأسف فإن قنوات عربية كبرى تساهم من حيث لا تدري بكل غباء في تثبيت مثل هذه الرواية لأن من يقودها ببساطة لا يدرك أنه يقود اعلام حربي بل يتصرف بكل سذاجة متذرعا بالمهنية لكي يغطي بها تعاطفه الساذج في بعض الاحيان مع تلك المنظمات الارهابية.

خاص وطن إف إم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى