يؤمن بعض العرب أن ما تعيشه سورية حرب وليس ثورة. وقد انضم الرئيس الأميركي، باراك أفندي أوباما، يوم 14 إبريل/ نيسان الجاري، إلى هذا الرأي، بكلامه عن ضرورة وقف “الحرب الأهلية” في سورية شرطاً للانتصار على الإرهاب. وقد شاركت، أخيراً، في برنامج إذاعي، وما أن ذكرت كلمة الثورة، حتى قال المذيع: هذه ليست ثورة، إنها حرب.
يعبر هذا الرأي، في أحد جوانبه، عن انزعاج أصحابه من الثورة التي تتواصل منذ نيف وخمسة أعوام، من دون أن يتمكن أعداؤها من القضاء عليها، على الرغم مما شهدته سنوات الصراع من قتل وتدمير وعنف أعمى، طاولت جميع قطاعات الشعب الثوري، ومن تدخلاتٍ قام بها المرتزقة والمأجورون، ومشاركات حربية مباشرة لجيوش دول إقليمية وعظمى، استخدمت كل ما تملكه من أسلحة متطورة.
ويعبر هذا الرأي، من جهة أخرى، عن الرعب من ثورةٍ يبعث صمودها اليأس في قلوب أصحابه، وتخيفهم أمثولتها، وما سيترتب عليها من نتائج، لا سابقة لها في تاريخ المنطقة القديم والحديث، ولا سيما أنها تنتصر ضد حربٍ كونيةٍ، فشلت، إلى اليوم، في كبحها أو حرفها عن هدفها المعلن: إسقاط النظام، وتأسيس وطنٍ للعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية والحرية، يحمل قيامه مخاطر قاتلة بالنسبة للفاسدين والمفسدين في الشرق الأوسط والإقليم، وللدجّالين والمستبدين من طهران إلى لبنان، ولأولئك الحكام الذين يتعيشون على أمل إبليسي، يوهمهم أن شعوبهم ستبقى، بعد ثورة سورية التي كسرت العين فيها المخرز، بعيداً عن السياسة والثورة، وأن أجهزتهم ستبقي العرب والعجم على ما هم عليه من إذلال، بينما تميد الأرض تحت أقدام نظامٍ كان أنصاره، وحتى خصومه، يعتقدون أنه ثابتٌ كالجبال الرواسي، لا يمكن أن يتزحزح أو يهتز، وها هو مواطنهم العادي يرى كيف عجز عن كسر شوكة شعبٍ أعزل مسلح بروح الحرية، ثم كيف شرع يتهاوى، على الرغم مما وصل إليه من دعم، ونشره في الأجواء من إرهاب وتخويف، واستماتته لتحويل ثورة الحرية إلى اقتتال طائفي.
تعرّضت الثورة السورية لحملات تشويهٍ شنيعة، فهي أولاً “إرهابية”، على الرغم من مظاهرات الشهر الأخير السلمية التي لم تظهر فيها قطعة سلاح واحدة، ولم ير مخلوق فيها شعاراً للإرهاب، أو علماً من أعلام تنظيماته. وهي ثانية محكومة بالفشل، على الرغم من إنجازاتها التي لم يتوقع أحد حدوثها، وأهمها استمرارها نيفاً وخمسة أعوام، هشم النظام في أثنائها المجتمع. ومع ذلك، خرج السوريون، داخل الوطن وخارجه، يؤكدون تصميمهم على إسقاطه، على الرغم من أن الهدنة التي طبقتها الأمم المتحدة كانت شديدة الهشاشة، وأن طائرات روسيا لم تفارق أجواءهم. لا يعيب الثورة أنها تخوض حرب دفاع عن الشعب، لصد عدوانٍ شاملٍ، يشنه عليه نظام إجرامي، وحلفاؤه في تنظيمات المرتزقة وجيوش الغزو الأجنبية. تُرى، هل سبق لأية ثورة كبرى، كالسورية، أن نجت على مر التاريخ من حربٍ شنها أعداؤها عليها؟
ألم تحارب الثورة الصينية سبعة وعشرين عاماً للخلاص من نظام تشان كاي شيك، والثورة الفيتنامية، عقوداً ضد الحكام المحليين وجيوش الغزاة الأميركيين؟ وهل حالت الحرب دون أن تكون ثورتا الصين وفيتنام ثورتين بكل معنى الكلمة، حاربتا لأنهما اضطرتا لخوض الحرب، شأن الثورة السورية، مع فارق جوهري لصالح الأخيرة، أنها حافظت على طابعها السلمي، وأعلنته باعتزاز وتصميم، بعد أن اعتقدنا جميعاً أنها انطبعت بطابع الحرب، فإذا بها تباغتنا من جديد باستعادة شعاريْها الأولين “الحرية للشعب السوري الواحد والسلمية”، وتعاليها بكبرياء على ما حلّ بالشعب من عنف ودمار وتهجير وقتل، ويواجهه اليوم أيضاً من حرب روسية/ إيرانية/ أسدية.
إنها ثورةٌ للحرية. لذلك صمدت وحافظت على نزعتها السلمية، وصانت، إلى درجةٍ لا يستهان بها إطلاقاً، وحدة الشعب والمجتمع، وواصلت طريقها بعزيمةٍ وكبرياء، ولا شك عند السوريين في أنها ستبلغ أهدافها حرباً، إذا ما منع الثالوث الشيطاني الروسي/ الإيراني/ الأسدي بلوغها سلماً، ومن لا يعجبه ذلك، فيضرب رأسه بأي حائط، عله يستعيد بذلك رشده.
المصدر : العربي الجديد