«فَرَطَتْ» الهيئة العليا للمفاوضات ولم تعد ذات صلة بما يحدث, بعد ان لم تنجح في المهمة التي اوكِلَت اليها, وهي نسف مفاوضات جنيف واحباط الحل السياسي واستدراج تدخل اجنبي، اقليمي بغطاء دولي، في الازمة السورية, يتخذ شكل إدخال قوات متعددة الجنسيات تحت ستار محاربة داعش, فيما الهدف الاول والاخير، هو اسقاط الدولة السورية ونشر المزيد من الفوضى فيها على نحو يضمن «تعميم» هذه الفوضى في دول الاقليم, ليُصار لاحقاً الى فرض خرائط جديدة تلحظ تأمين مصالح الدول الاجنبية، وتمنح الفتات لبعض الدول الاقليمية واسترضاء انقرة التي بدت الخاسر الاكبر بل الاكثر تخبطا في مقارباتها السياسية والعسكرية، حتى لو اتخذت منها ستارا لإخفاء حربها المفتوحة على جزء من شعبها وهو الشعب الكردي, الذي تتعرض قراه ومدنه الى حرب شاملة, بذريعة محاربة قوات حزب العمال الكردستاني التركي PKK.
ما علينا..
لم يكن مفاجئاً اعلان «كبير» المفاوضين محمد علوش أحد مؤسِسي جيش الاسلام (مع ابن عمه الذي تمت تصفيته في غارة جوية… زهران علوش) «استقالته» من موقعه, مبرِرا اياها بفشل مباحثات السلام التي وصفها بـ»العقيمة».. لكن اللافت في الامر هو ان الرجل استبق اعلان تنحيته عن موقعه من قِبل القائمين على تسيير امور الهيئة باعلان الاستقالة، فيما كانت مصادر الهيئة العليا للمفاوضات التي يرأسها رياض حجاب اكدت أن المجتمعين (والرعاة) قد قرروا إبعاد علوش وايضا اسعد عوض الزعبي رئيس وفد المفاوضات، ما يشي بان ازمة الهيئة قد وصلت ذروتها, ولم يعد بامكان احد مواصلة التستر على «المآزق» التي باتت تحيط بعملها وبخاصة بعد الخطوة التي اتسمت بالحمق الشديد التي اتخذتها الهيئة على لسان رياض حجاب نفسه يوم الثامن عشر من نيسان الماضي, بإعلان «تعليق» مشاركتها في مفاوضات الجولة الثالثة لمفاوضات جنيف.
ما يمنح هذه القراءة الصدقية، وهو ان الهيئة في اجتماعاتها الاخيرة التي كانت مخصصة لاتخاذ موقف من المفاوضات (مُشارَكة ام استمرار التعليق) هو اعلانها المفاجئ عن سعيها لتحقيق «انفتاح» على مختلف القوى السياسية والمجتمعية السورية, كذلك العمل لتشكيل «لجان» للتواصل مع مختلف المكونات السياسية ومنظمات المجتمع المدني السوري بما في القوى المُعارضِة في «منصتي» القاهرة وموسكو.
«انفتاح» مفاجئ وغير مسبوق, يبعث على التساؤل في ما اذا تخلّت الهيئة عن الشعار الذي طالما ردده الرباعي الابرز في «الهيئة» ابتداء من رياض حجاب مروراً بالزعبي وعلوش وليس انتهاء بسالم المسلط الناطق باسم الوفد, الذين طالما اكدوا في «حزم وجزم» ان الهيئة هي الممثل الشرعي الوحيد للمعارضة ولا تقبل ان يُضاف اليها او يجلس الى جانبها اي فصيل يدّعي انه معارض وخصوصاً «عملاء النظام» في منصتي القاهرة وخصوصاً موسكو.. فما الذي استجد حقاً؟ وهل ثمة مَنْ اقتنع بأن استمرار الرهان على الهيئة لن يجلب سوى الخسارة الصافية للرعاة والداعمين والنافخين في كير الفتنة السورية؟
ثم..
كيف يستقيم الأمر الآن، اذا كانت الهيئة وهي تقف بين «المنزلتين»، ما تزال تقول انها «لن» تعود الى المفاوضات مع النظام الا بعد تحقيق البنود «الانسانية» 12 و13و 14 من قرار مجلس الأمن رقم 2254، فيما هي تسعى (ولو كلامياً) للانفتاح على «منصتي» القاهرة وموسكو، والاخيرتان كما هيئة التنسيق المنضوية في الهيئة والتي يبدو انه تم «تذويبها» وتحييدها وكتم صوتها (رغم انه صوت مخنوق ومنافق) تواصلان الدعوة الى استئناف المفاوضات والتخلي عن تحالفات الهيئة مع منظمات الارهاب وخصوصاً جبهة النصرة وعدم الانخراط في ما يوصف بجيش الفتح؟
ليس غريباً ان تشعر الهيئة بالتيه والضياع بعد الضربات الموجعة التي تلقاها جيش الاسلام الذي يقوده محمد علوش في الغوطة الشرقية, ونجاح الجيش السوري في استعادة القطاع الجنوبي فيها, كذلك في الضعف الذي باتت عليه الجماعات المسلحة في الغوطة الشرقية بعد الاشتباكات التي اوقعت مئات القتلى والجرحى في صفوفهم وبخاصة بين جيش الاسلام وجيش الفرقان في الغوطة الشرقية.
في السطر الاخير… أن يقول اسعد الزعبي: ان اميركا بدأت تكشف عن انيابها بشكل واضح، وان مجلس الأمن بدأ يشيح بوجهه عن قراراته التي اصدرها. يعني ان اليأس لدى «الهيئة» بلغ ذروته, وأن الارتباك والحيرة اللتين تهيمنان على قيادات الهيئة, قد اوصلتهما الى نتيجة واضحة وهي التضحية بأكثر «اثنين» ثرثرة وتشدداً ورفضاً لأي تسوية سياسية، ظناً منهما انهما بذلك يضمنان لنفسيهما موقعاً في سوريا ما بعد الحل السوري، لكنهما لفرط سذاجتهما دَفَعا الثمن, ودُفِعَ بهما الى خارج… «الحلبة».
المصدر : الرأي الأردنية