لم يعد خافياً أن مآلات بنية الدولة السورية وشكلها تتأثر بطبيعة وأهداف الصراع الدائر فيها وعليها، بين دول كبرى وأخرى إقليمية. ويرتبط ذلك بمصالح وسياسات الدول ذات العلاقة. وفي الإطار ذاته، يتعلق ذلك بموقف أصحاب القرار المُعبِّر عن بنية السلطة السياسية وآليات اشتغالها ومصالح الفئات المشاركة في صناعة القرار في سورية. ويتقاطع ذلك مع اشتغال دول متعددة في توضيب قضايا المنطقة، خصوصاً سورية، كون تأثيرات شكل الحكم فيها سينعكس على باقي دول الإقليم.
والاشتغال على ذلك يتم في إطار تحجيم وتأطير السوريين. ما يعني أننا أمام لحظة مصيرية تقتضي تمسك السوريين بحقوقهم السياسية، وبدورهم في تحديد ملامح الدولة.
العوامل المذكورة إضافة إلى أزمة النظام العامة والمركبة وإشكالية أدائه السياسي، وكذلك إشكالية أداء المعارضة السياسية وما تعاني من تناقض وتشرذم وتنابذ وفساد، واندماج بعضها بفصائل مقاتلة تربطها علاقة عضوية بفصائل جهادية، وأخرى مدرجة على لوائح الإرهاب، كل ذلك ساهم ولا يزال في تدويل الأزمة السورية ومسارات تحولاتها.
وإذا كانت مصالح القيادة الروسية وطبيعة علاقتها مع النظام في سورية تدفعها إلى أن تقوم به، فإن الأمور نفسها تنطبق على حكومات أخرى متعددة. وجميعها يساهم في أشكال وسويات مختلفة في إطالة أمد الصراع، وإطالة عمر المجموعات الجهادية، إضافة إلى تفاقم الاستعصاء السياسي.
انطلاقاً من ذلك، لم يكن مستغرباً تسريب ما يعرف بـ «مسوَّدة الدستور الروسي لسورية» الذي رأى فيه البعض حصيلة تفاهم وتنسيق بين القياديتين الروسية والأميركية. ولا يقلل من حساسية وإشكالية تسريبه إعلامياً، نفي جهات روسية رسمية مسؤوليتها عنه وتأكيدها حق السوريين في صناعة مستقبلهم، وأن مسوَّدة الدستور المذكورة ما هي إلا وثيقة شارك في صوغها مركز كارتر بالتنسيق مع الأمم المتحدة ومكتب دي ميستورا وشخصيات من المعارضة السورية. وينسحب ما تقدم على نفي الحكومة السورية معلومات إعلامية أفادت باطلاعها على المسودة المشار إليها، ووضعها ملاحظات عليها.
وفي السياق هذا، تكشف مسوَّدة الدستور المسرَّبة عما يُخطط لمستقبل سورية في كواليس مراكز صناعة القرار، وارتباطه بمجريات الأوضاع السورية والتحولات الميدانية التي تكشف في الآونة الأخيرة عن إعادة تموضع الفصائل المقاتلة قبل استئناف مفاوضات جنيف. وسيكون لذلك انعكاسٌ واضح على الأطر السياسية والدستورية، وعلى شكل الحكم والدولة، ما يعني أننا سنشهد قريباً تسريبات تكشف عن خرائط جيو سياسية جديدة، تتحدد بموجبها آليات تقاسم السلطات ومناطق النفوذ وشكل الحكم. وستكون لذلك علاقة في شكل ما بما جاء في المسوَّدة وتحديداً ما يتعلق بالهوية القومية والدينية للدولة السورية، واللامركزية كأساس لنظام الحكم، ودور الجيش على المستويين الوطني والإقليمي، وطبيعة وآلية توزيع مراكز صناعة القرار، وفي الغالب سيتم اعتماد مبدأ المحاصصة الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية والقومية. وسيكون لذلك تأثير ملحوظ في مستقبل الأوضاع في سورية وفي دور سورية الإقليمي.
أما في ما يخص الاقتصاد وبغض النظر عما جاء في المسوَّدة المسرَّبة، فالمرجح أن يتم تمكين اقتصاد ليبرالي حر، يضمن حرية النشاط الاقتصادي وانتقال الرساميل والالتزام بمعايير السوق. ومعلوم أن ذلك يُلغي دور الدولة الاجتماعي، ويرفع الحماية عن المواطن أمام التغوُّل الرأسمالي. ولذلك علاقة مباشرة بمصالح غير دولة تسعى إلى تلبيتها في سياق إدخال تغييرات جوهرية على بنية الاقتصاد وميوله الأساسية عبر ربطه في شكل مباشر بعجلة رأس المال العالمي المعولم.
المصدر : الحياة