قبل ان يقرأ أعضاء مجلس الأمن رسالة بشار الجعفري التي هدفت الى الإيحاء بأن النظام انتصر في حلب وأنه يتصرف بمسؤولية عبر “الممرات الإنسانية” التي سيتعاون مع الروس في فتحها، كانت واشنطن تتحدث عن خديعة روسية، هدفها تفريغ حلب تمهيداً لاقتحامها وفق سيناريو سبق لموسكو ان طبقته في غوديرميس في تشرين الثاني من عام ١٩٩٩ تمهيداً لتدمير غروزني الشيشانية!
إستحضار سيناريو غروزني جاء على لسان أحد المعلقين الروس، ربما لأن العقل المدبر لما يجري في حلب هو روسي بالتأكيد، على رغم ان سيرغي ريباكوف ينفي هذا متهماً الأميركيين بأنهم ينسبون الى موسكو أفكاراً وإتهامات غير واقعية تستند الى الشبهات والآراء المسبقة.
لكن ستافان دو ميستورا يطرح سؤالاً وجيهاً رداً على “حيلة الممرات الإنسانية” كما سمّاها جون كيري، عندما يقول: وكيف سيخرج آلاف الناس من الأحياء التي حاصرها النظام منذ اسبوعين، تحت وابل من القصف الذي لا يتوقف، ثم ان أي عملية لفتح مثل هذه الممرات يفترض ان تتم في إشراف الأمم المتحدة؟
لكن المفاجأة في حلب جاءت على طريقة إنتظرناهم في الشرق فجاؤونا من الغرب، عندما شنت قوات المعارضة مع “جبهة النصرة” التي غيرت إسمها، هجوماً معاكساً وإستولت على مواقع مهمة كانت تحت سيطرة النظام وحلفائه، ما قد يمكنها اذا إستمرت في التقدم من تهديد سيطرة النظام على الأحياء الغربية من المدينة، بما يقلب الواقع الميداني رأساً على عقب!
ليست هناك أي مغالاة في إستحضار سيناريو غروزني التي دمرها الروس كلياً في كانون الاول من عام ١٩٩٩، ولقد برز السؤال منذ لحظة إحكام الحصار على الأحياء الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة:
اذا لم تكن موسكو والنظام يستعدان لعملية تطهير واسعة في حلب، فلماذا الضغوط لتفريغها من سكانها، وخصوصاً عندما يقول نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريباكوف انه لا يمكن ان تكون هناك مصالحة أو هدنة مع إرهابيين، وإن واشنطن تمارس الخداع السياسي بهدف إتاحة الفرصة للإرهابيين لإعادة تمركزهم وإن لدينا رؤية أخرى مفادها ان محاربتهم يجب ان تتواصل حتى النصر.
مع تغيّر الوضع الميداني في حلب انهارت الصفقة الروسية الأميركية التي تحدثت عنها “الواشنطن بوست”، أي تعاون واشنطن مع موسكو لإستهداف “جبهة النصرة” التي صارت “جفش” أي[جيش فتح الشام] مقابل وقف قصف المدنيين بالبراميل المتفجرة وعدم توجيه الضربات الى المعارضة التي تدعمها واشنطن.
ليس الدليل على هذا إعلان البيت الأبيض ان باراك أوباما لم يوقع هذه الخطة، بل أيضاً الهجوم المعاكس الذي تشنه المعارضة بالتعاون مع “جبهة النصرة”، بما يعني ان الطرفين يدمران حلب على طريقة غروزني!
المصدر : النهار