مقالات

مراد ياتكين – هل كانت عملية السيطرة على منبج صدفة ؟

دعونا لا نقلل من أهمية منبج فبقدر ماهي صغيرة هي مهمة أيضاً . لمدينة منبج تاريخ عمره 400 ألف عام وإن اللغة الآرامية التي تكلم بها النبي إبراهيم والسيد المسيح أتت من مدينة منبج .

وعدا عن أنها منبع للمياه العذبة فإنها أيضاً نقطة وصل بين الطريق الذي يربط حلب بشرق الرقة والأناضول .

لهذا السبب كانت منبج مهمة جداً لتنظيم داعش وبدأ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بسحق التنظيم فيها .

أعلن عن تنظيف منبج من تنظيم داعش في مساء يوم 12 آب .

وشوهدت صور لنساء منبج الذين تعرضوا لوحشية وبربرية تنظيم داعش في أسعد حالاتهم وهم يحرقون البرقع الأسود الذي ارتدوه عنوة وقيامهم بخرق منع التدخين بإشعالهم للسجائر وهم يضحكون .

وبدأت عملية منبج في 31 أيار من طرف تنظيم مسلح يسمى قوات سورية الديمقراطية بقيادة ودعم وتنسيق القيادة المركزية الأميركية ، وفي الأساس إن قوات سورية الديمقراطية هو اسم اخترعته القيادة المركزية الأميركية لكي لا تصاب تركيا بالجنون وإنما في

الأساس هو عبارة عن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بالإضافة لبعض الدعم الذي تلقوه من بعض القبائل العربية في تلك المنطقة .

وبدأت العملية مع اتصال قام به الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الرئيس رجب طيب أردوغان في 18 من شهر أيار ودامت مكالمتهما 70 دقيقة .

وقد عُلِمَ أن تركيا تريد تحرير 98 كم من خطها الحدودي مع سوريا الممتد من جرابلس إلى ماري من تنظيم داعش وأصرت على عدم وقوعه بين يدي حزب العمال الكردستاني وقواته في سوريا .

ولكي يستطيع الأمريكيون أخذ منبج علموا أن قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بحاجة للدعم ولكن على هذا الأساس تعهد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بأنه سيعمل في الضفة الشرقية من نهر الفرات من بعدها .

لم يكن بمقدور تركيا أن تفعل أي شيء فمع اسقاط الطائرة الروسية في 24 كانون الثاني كانت قد جلست تركيا المتابعة للسياسة السورية منذ أربع سنوات في الظلام .

اتضح للجميع أن أحمد داوود أوغلو قد ترك منصبه ولكن من الواضح إن بن علي يلدريم لم يستلم رئاسة الوزراء بشكل رسمي بعد .

فما عاد يقترب السلاح الجوي التركي من سوريا و بقيت مدفعيات ودبابات ووحدات المشاة التابعة للجيش الثاني الذي في ملاطيا على حدود إيران والعراق وسوريا ، إن الجيش الثاني ليس فقط لحماية الحدود فمن المفروض أنه لمقاتلة حزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش أيضاً .

وكان لقاعدة “انجيرليك اوسسو ” و رادارات الدرع الصاروخي الذي في ملاطيا دور بشأن الاستراتيجية العالمية .

وعُمِلَ بالخطة التي كانت في مكالمة أوباما لأردوغان ففي اليوم التالي في 19 من شهر أيار بدأ قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل بإجراء لقاءات مع الحكومة العراقية في بغداد ومع مسؤولين من أكراد العراق في أربيل مع البدء بتفعيل عملية منبج-فلوجة و موصل-الرقة .

وفي 20 أيار دخل فوتيل إلى الأراضي السورية وإلى الآن لم يتم التصريح عن ذلك ولكم من المحتمل أنه قام بلقاءات في كوباني مع قياديين في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومع بعض زعماء العشائر العربية لتقييم الوضع.

ومن هناك انطلق في 21 أيار إلى قاعدة انجيرليك من ثم إلى أنقرة والتقى هناك مع الرئيس الثاني للأركان الجنرال ياشار غولير وشرح له الجنرال إن تركيا لا ترى فرق بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني فالاثنان بنظرها منظمات إرهابية .
وفي صباح 22 من أيار وكان فيتول لم يزل في أنقرة ظهر خبر مفاجئ على الصفحات الأولى من الصحف التركية ، فبينما كان فوتيل في العراق قام الجنرال عابدين أونال قائد القوات الجوية بالصعود إلى طائرة اف 16 من قاعدة اكينجي في أنقرة ومن بعد ما قام بتفتيش القواعد العسكرية في باليكيسير وديار بكر قام بضرب مواقع قوات حزب العمال الكردستاني في كانديل بنفسه .

وكانت الرسالة التي أرادت تركيا إيصالها لحليفتها الولايات المتحدة أنها لن تقوم بمساعدة قوات ال بي كي كي الموجودة في سوريا وإلا أنها ستقوم بضرب قوات البي كي كي الموجودة في العراق وفي تركيا من دون النظر إذا كانت المساعدات الذاهبة إلى سوريا غذائية أم لا .

في 23 أيار في فوتشا بولاية إزمير بدأت مناورات ايفيس-2016 العسكرية وشارك فيها أعضاء حلف الشمال الأطلسي أميركا وبريطانيا وألمانيا وبولونيا وغيرهم من أذربيجان والسعودية وقطر وباكستان وكانت هذه أول مرة تجرى مناورات عسكرية مشتركة لمواجهة احتلال الإرهابيين للمناطق السكنية .

في 26 من شهر أيار وبينما كان مجلس الأمن القومي التركي مجتمعاً نشرت وكالة الأخبار الفرنسية صوراً لجنرالات أميركية من القوات الخاصة في سوريا برفقة عناصر من الحزب الديمقراطي التركي والذراع النسائي له “يي بي جي ” ، ولم ترد أنقرة على هذا الاستفزاز . ودانت كل من فرنسا وألمانيا والسويد وجمهورية التشيك لفتحهم مكاتب للحزب الديمقراطي الكردي.

وبدأت الطائرات التي تقلع من قاعدة انجيرليك بالمشاركة في عملية منبج في 31 أيار ولكن بشرط أن لا تشارك الطائرات بضرب مواقع الحزب الديمقراطي الكري وكانت عملية منبج مستمرة حتى تلك الفترة دون الوصول لأي نجاح يذكر.

وكان هناك تطورين هامين في السياسة التركية الخارجية من الممكن أن يؤثرا على السياسة السورية من جذورها ففي الأول وفي 26 حزيران أعلن من روما عن إتمام لقاءات إعادة تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل بنجاح .

ومن ثم وفي اليوم الثاني 27 حزيران أتت تصريحات من موسكو تفيد أن الرئيس فلاديمير بوتن قبل رسالة الاعتذار التي أرسلها الرئيس أردوغان وبدأت إعادة تطبيع العلاقات مع روسيا ، فكانت هاتين الخطوتين احتمال صائب في إنهاء حبس تركيا في سوريا.
وفي اليوم التالي في 27 حزيران قامت داعش بعملية إرهابية في مطار أتاتورك في إسطنبول وقتلت 45 شخصاً بها .

وبعد 10 أيام في 8 تموز ادعت منظمة غير قانونية لم يسمع باسمها من قبل تدعى كتائب تل حميس أنها قامت بقتل أحد كبار زعماء حزب العمال الكردستاني في مدينة نصيبين بالقرب من القامشلي في سوريا ويدعى فهمان حسين واسمه الحقيقي باهوز ايرديل . وهذا الادعاء من الممكن أن يكون غير صحيح فلم يتم التأكد منه ولكن وبحسب المخابرات في أنقرة فإن هذا الشخص كان من أهم الواصلين بين إيردال كانديل و روج آفا ومن المحتمل أنه كان المسؤول عن عملية منبج ومن المحتمل أيضاً أنه كان على اتصال مع السلطات الأميركية.

في 15 تموز قام المجلس العسكري بمحاولة انقلاب عسكري للإطاحة بالحكومة ولكن تم قمعه عن طريق الرئيس والحكومة ورؤساء الأحزاب المعارضة وما بقي من الجيش والشرطة الموالين لقطاع الدولة والأهم من ذلك الشعب الذي نزل إلى الشوارع وقد استشهد 300 مواطن وهم يواجهون الانقلابيين وبعدها تمت هزيمتهم .

لم يستطع الانقلابيين خطف الرئيس ورئيس الوزراء ولكن تمكنوا من أسر معظم المستويات القيادية كالقائد الثاني للجيش الجنرال غولير الذي كان من أكثر المتضررين وقائد القوات الجوية الجنرال أونال الذي تم خطفه بكل ذل أمام عيون عائلته في حفل زفاف كان قد ذهب إليه.

وبعد فشل الانقلاب تم اعتقال قائد الجيش الثاني لمشاركته بعملية الانقلاب وكان قد طلب اللجوء إلى أميركا ولكن تم رفضه وحصل نفس الشيء مع قائد قاعدة إنجيرليك .

وفي اليوم الثاني وبعد أن تم تحرير رئيس الأركان هولوسي اكار ببضع ساعات اتصل به صديقه في السلاح الجنرال الأميركي جوزيف دونفورد ليسأله لماذا تم قطع الكهرباء في قاعدة انجيرليك ولماذا توقفت حركة الطيران فيها عوضاً عن تهنئته له بالسلامة ومنحه إياه الدعم .

وفي الأساس إن أنقرة كانت في حالة غضب منذ اليوم الأول فرئيسة وزراء ألمانيا أنجيلا ميركل التي زارت تركيا أربع مرات في الأشهر الستة الأخيرة من أجل مشكلة المهاجرين السوريين كانت ردة فعلها من الانقلاب مثل ردة فعل أوباما الذي اتصل بالرئيس بعد ثلاثة أيام لكي يهنئ بسلامته .

والتصريحات التي تأتي من الغرب حول إدانة الانقلاب دائما تبدئ بكلمة “لكن” حول عدم تصفية المدانين من تنظيم فتح الله غولن في محاولة الانقلاب .

وعلى خلاف ذلك ففي اليوم التالي لمحاولة الانقلاب اتصل فلاديمير بوتن بالرئيس أردوغان مهنئاً بسلامته ومن دون كلمة لكن .

واستمرت بعدها التطورات التي أثارت غضب أنقرة ، فبعد تصريحات المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالن حول طلب إعادة غولن إلى تركيا تم نشر مقالة في اليوم التالي في صحيفة نيويورك تايمز إن تشرح كيف إن فتح الله غولن كان دائماً في خدمة الدول الغربية ولا يجب إعادته .

وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية السابق غراهام فولير إن غولن ليس من المشاركين في الانقلاب فهو من الطرف الإسلامي المعتدل وهو وجه المستقبل للإسلام . وقد اشتكى قائد عملية منبج قائد القيادة المركزية الأميركية فوتيل عن اعتقال مسؤولين أتراك لديهم ارتباط شخصي معه.

وقد أعلن مدير المخابرات الوطنية جيمس كليبير أن اعتقال تركيا لبعض الأسماء المهمة ووضعهم بالحبس قد يكون عائقاً أمام محاربة داعش وقام رئيس الأركان الأميركي دونفورد في ا أغسطس بزيارة أنقرة وكأن محاولة الانقلاب لم تحدث فحاول “لملمة الوضع” ولكن من الواضح أن زيارته لم يكلل لها النجاح.

وكانت أول زيارة للرئيس أردوغان من بعد محاولة الانقلاب في 9 أغسطس إلى روسيا ، وهل كانت صدفة أن حزب العمال الكردستاني الذي أوقف عملياته الدموية من قبل واعتباراً من يوم محاولة الانقلاب عاد لتبادل إطلاق النار من جديد .
وفي اليوم الذي أشاد به وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف من أنقرة “بتطبيع العلاقات مع روسيا ” أعلن فيه عن تنظيف منبج من داعش .

وكانت أنقرة سعيدة من ذلك ولكنها تريد وعلى الفور من الولايات المتحدة بالإيفاء بوعدها بإخراج قوات الحزب الديمقراطي الكردي من منبج وإرسالهم الى الضفة الشرقية من نهر الفرات .

ومن المثير للاهتمام في هذه المرة أن البنتاغون قال إن تركيا قد تكون على حق لأن غالبية السكان في منبج هم عرب مع وجود نسبة قليلة جداً من الكرد والشركس .

وفي الوقت الحالي إن أنقرة تنتظر من الولايات المتحدة أمرين اثنين هما تسليم فتح الله غولن لمحاكمته في تركيا وإخراج قوات “بي كي كي ” و ” بي يي دي ” من منبج وإرسالهم إلى الضفة الشرقية من الفرات .

في 24 من شهرآب سيقوم نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بزيارة إلى تركيا فلنرى إلى ذلك الوقت ما هي الصدف التي من الممكن أن تخرج لنا أيضاً ؟

المصدر : صحيفة حريات التركية ؛ ترجمة وتحرير وطن اف ام 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى