ليس واضحا ما اذا كانت الخربطة الداخلية التي طاولت الحوار والحكومة في لبنان في الاسبوعين الاخيرين مرتبطة في شكل او في آخر بالرهانات على ان ثمة حلولا مقبلة للوضع السوري بناء على المفاوضات الاميركية الروسية التي جرت منذ 14 تموز الماضي بحيث قد تترك انعكاسات على ملفات عدة بما فيها لبنان بناء على التسوية الموقتة التي سترسو عليها الامور.
لكن هذا غير مستبعد قياسا على الرهانات التي رافقت مراحل مختلفة من الحرب السورية وتأثيراتها على الاستحقاقات اللبنانية على رغم ان الاتفاق الاميركي – الروسي لم يرفع الآمال بان شيئا جديدا فعليا دخل على الخط اقله حتى الان وفي انتظار بلورة تفاصيل هذا الاتفاق.
اذ ان التلاقي التركي السعودي ابان زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لتركيا وعلى اثر قمة العشرين في الصين وقبيل الاعلان عن اتفاق اميركي روسي حول هدنة في سوريا لجهة التبشير بان اتفاقا اميركيا روسيا بات قريبا ترك المجال واسعا للاعتقاد بان كلا من واشنطن وروسيا قد حصنتا اتفاقهما بموافقة الافرقاء الاقليميين على ما كان سيعلن حول الهدنة على الاقل في موازاة ما عناه هذا الاعلان المشترك من تصويب لموقف تركيا من قبول بقاء الاسد خلال هذه المرحلة وفق ما كان اعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم .
لكن في انتظار تفاصيل الوثائق الخمس التي اعلن عنها للاتفاق بين واشنطن وموسكو، فان بعض المطلعين يرون تكرارا انه قد لا يأتي خلافا للاتفاق الاميركي الروسي الذي ارسى هدنة مطلع السنة الحالية وادى الى استئناف المفاوضات التي توقفت لاحقا في نيسان ما دام السقف هو نفسه والعناوين هي نفسها. اي انها هدنة تبدأ من حلب وتؤدي الى تعميمها على كل سوريا وادخال المساعدات الانسانية ثم الاعداد للانتقال لمفاوضات سياسية .
وهذا كله مفتوح على تساؤلات تتصل بوقوف النظام بمساعدة روسيا عند اطراف حلب مجددا لمحاولة السيطرة عليها ولو لم تساعده ليفعل في الفترة المقبلة لكنه وضع كفيل بان يعزز اوراق الاسد في المفاوضات السياسية لاحقا في حال لم تساعده روسيا على اكمال ما يسمى سوريا المفيدة في فترة غياب واشنطن “عن السمع” اي في الفترة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية الاميركية في 8 تشرين الثاني المقبل وتسلم الرئيس الاميركي الجديد مهماته . وهو امر مطروح للتساؤل بقوة على قاعدة جملة امور : ان النظام اعلن هذه المرة ايضا مستبقا المعارضة ورأيها في هذا الاتفاق انه يلتزم الاتفاق علما انه كان اعلن سابقا في كانون الثاني ايضا استعداده للتفاوض مع المعارضة في جنيف وسرعان ما ظهر ان الامر لا يخرج عن اطار لعبة سياسية اعلامية ليس اكثر .
وهذا لا يعني استعداده للمساومة على حل سياسي مع المعارضة. ثانيا ان ما اعلن في الاتفاق الروسي الاميركي هو مضمون الاتفاق السابق الذي تحول الى قرارات دولية لم يتم التزامها ان لجهة منع تقدم جهة على اخرى ومحاولة استيلائها على مناطق جديدة او لجهة حتمية ادخال مساعدات جديدة للمناطق المحاصرة ، وهو امر تقر الامم المتحدة بانه لم يحصل بالطريقة المناسبة وهو الامر الذى ادى الى تعليق المفاوضات من المعارضة في نيسان الماضي. وكان هناك خلاف آنذاك على التمييز بين المعارضة المعتدلة والمتشددين وليس واضحا كيف يمكن في ظل تضييق النظام على حلب ومحاصرتها مجددا ان تقبل المعارضة بتشتيت صفوفها واستفراد فصائلها بمحاولة الفصل بين الفصائل التي توحدت اخيرا من اجل فك الطوق عن حلب.
يضاف الى ذلك الثغر المتصلة بحق الدفاع عن النفس واستمرار الحق في ملاحقة الارهابيين وتسجيل الخروقات واتخاذ اجراءات في حق من يخترق الهدنة علما ان الموفد الاميركي الى سوريا مايكل راتني والذي كان ضغط على المعارضة في كانون الثاني من اجل عدم تفويت فرصة المفاوضات السياسية ولكشف من هو المسؤول عن نجاح المفاوضات او فشلها لم تفعل بلاده اي شيء لمعاقبة من اخل بذلك وها هو يضغط مجددا على المعارضة من اجل قبولها بالهدنة راهنا في ظل اعلان كيري ان موسكو ستتحمل مسؤولية اخلال الاسد باتفاق الهدنة. ( وهو امر يناقض ما سبق ان اعلنته واشنطن عن مشاركة روسيا في الحرب ضد المعارضة السورية واخلالها هي ايضا بالهدنة السابقة).
لماذا قد يكون الاتفاق الاميركي الروسي الحالي مختلفا عن الاتفاق الذي تم بينهما قبيل نهاية السنة الماضية ؟
لا يبدو في اي حال بالنسبة الى متابعين ديبلوماسيين انه اتفاق مختلف اقله ظاهرا اذ قد لا يتعدى اعادة ترميم للهدنة السابقة ولاعتبارات متعددة تتصل بمصالح الطرفين ومسؤولية عدم اتفاقهما عن استمرار النزف السوري وعن استمرار هجرة اللاجئين والارهاب من جانب الدول الاوروبية . اذ انه لم يطرح مشروعا سياسيا كما تم استبعاد مصير بشار الاسد من المباحثات. لكن يبقى معرفة ما قد يكون اتفق عليه المسؤولون الروس والاميركيون اذ ينقل مطلعون عن متصلين بهم من المعارضة السورية ان المحادثات بين الجانبين الاميركي والروسي قد لا تكون اقتصرت على سوريا بل شملت مواضيع عدة اخرى في المنطقة كما شملت اوكرانيا، وهو الامر الذي قد يتبين لاحقا استنادا الى اعتقاد صار راسخا لدى هؤلاء المطلعين بان روسيا مستعجلة للحصول على اتفاق مع ادارة الرئيس باراك اوباما وقبل وصول الادارة الاميركية الجديدة التي يرجح ان تكون تحت رئاسة هيلاري كلينتون .
المصدر : النهار