لا تركب هذه المعادلة الفاجرة إلاّ عند جماعة «الممانعة في نواحينا: «مقاومة» مسلحة نشأت في أساسها لمقاتلة عدو خارجي جاء إلى أرضها واحتلها، وطوّرت على مدى سنوات بنية تعبوية مؤدلجة حتى النخاع تلهج على مدار الساعات والأيام بـ»حقها» الطبيعي والتلقائي في سعيها التحريري، وباعتبار ذلك العدو المحتل صنواً، لا ثاني ولا ثالث له، للشر في أصفى تجلياته.. هذه التركيبة ذاتها، تفعل في سوريا ما فعله الإسرائيليون في لبنان! بل وأكثر بكثير من ذلك!
تركيبة ملطوعة بالشيزوفرانيا، ومركوبة بالتناقضات، وقياساتها العجيبة لا تترك حيّزاً ولو بسيطاً للأخذ بالعِبر التي بنتها بنفسها في مواجهة الإسرائيليين. بل تفترض (في سوريا) مثلما افترض أعداؤها قبلها في لبنان، أنها قادرة على تطويع الجبال! وزلزلة الأرض! والاستناد إلى يقين خاص يقول بأن القوة العارية والغاشمة هي السحر الحتمي (والأكيد) القادر على قلب عاليها سافلها وفتح طريق «الانتصارات» على وسعها وربطها بالمطلق الإلهي، الذي لا مطلق غيره!
وهذه مناحة لا توازيها مناحات مقاتلة الإسرائيليين، ولا تنقصها كل مقومات الكمال. بلاؤها متعدد الوجوه والطبقات. حيث الحرب «أهلية» على جاري التوصيفات الاجتماعية والجغرافية الخاصة بأماكنها المشتعلة! وحيث هذه الحرب هي الاسم الحركي لـ»الفتنة» على جاري التوصيفات الدينية الخاصة بهويات القتلى والمقتولين! وحيث هذه الحرب – الفتنة هي الأكثر تعبيراً عن ضمور العقل لصالح الغريزة! وتراجع السياسة لصالح أناشيد التحشيد والاستنفار! وحيث هذه النكبة في جملتها هي التعبير الأكثر حدة عن محنة التصادم العنيف بين الدين والمدنية في العصر الحديث، وحيث هي واحدة من أبرز تجليات فشل بعض المكوّن الإسلامي في الخروج من كتاب التاريخ! وترك صفحاته لأزمانها السحيقة!.
يقول صاحب الشأن «المقاوم» في تبرير محنته السورية، أنه حقق «إنجازات» كثيرة، ثم يحسم فوق ذلك بالقول الملآن «أن الكلمة الفصل تبقى للميدان».. وغلاظة القول توازي غلاظة السعي الميداني ولا تزيد عنه ولا تنقص. بحيث أن الوطيس حام والوغى مطمور بالموت، والأجساد المنخورة، والأرواح المهدورة.. وحيث لا ينفع إزاء ذلك أي رنين، أياً كانت خفّته، في لجم النفوس وتهدئة الخواطر واستحضار الهويات والانتماءات والسياسات والقياسات الدينية والإنسانية وغيرها!
وفي ذلك، سيكتشف صاحب الشأن «المقاوم» بعد لأي، وهو المأخوذ باللحظة وهيجانها، وبالطموحات الأثيرة والعزيزة لوليه البعيد – القريب في طهران. وبالاستثمارات المستجدة لحليفه الشرس في موسكو، أنه وقع في الجبّ! ووطأ أرضاً تهيّب وطأتها من هم أكبر منه وأخطر وأشطر وأمكن! وأنه بكّر في نفي الحل وتفضيل الحسم! وأنه في الأساس طاش بعيداً عن أيقونته العقيدية التي يستعد لإحياء ذكراها في هذه الأيام! وراح إلى مكان «الظالم» ونسي «المظلوم»، وحيث خبرية «لو كنت أعلم» قد لا تجد مرة أخرى، من يأخذها لا برحابة ولا بشيء من التسامح والغفران!
المصدر : المستقبل