هل جاء دور الفوضي الخلاقة في إيران، بعد أن اجتاحت المشرق، وشرعت تتمدّد إلى بقية بلدان المنطقة؟
ستطرح هذا السؤال علينا من الآن فصاعداً سياسات الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، وفريقه، والتي يبدو أنها ستعطي الأولوية في أنشطتها لعلاقات إيران مع العالم عامة، وأميركا خصوصاً. يؤكد ذلك اختيار الأشخاص الذين عرفوا جميعهم باعتراضهم على الاتفاق النووي بين دول “الخمسة زائد واحد” وإيران، ودعوتهم إلى تحجيم دورها الإقليمي، بجميع الوسائل السياسية والعسكرية، مع ما يتطلبه ذلك من فتح ملفات نظامها الداخلية وعلاقاته مع شعبه، ومن جعلها موضوعاً لسياسات واشنطن الدولية التي ستنتقل من الملاينة الراهنة إلى المواجهة، في حال طبق ترامب وعوده الانتخابية، بإلغاء الاتفاق النووي، وإخراج النظام الإيراني من المجال العربي.
ما هي مداخل واشنطن إلى معركتها المقبلة مع ملالي طهران؟ هناك، باختصار شديد مدخلان رئيسان إلى استئناف الصراع معها، بطرقٍ يبدو أنها ستكون مختلفة كل الاختلاف عن كل ما تبنته إدارة أميركا الأوبامية حيالهم، حسب تصريحات مسؤولي واشنطن الجدد: من وزير الدفاع إلى رئيس وكالة الأمن القومي إلى جميع مستشاري ترامب المقرّبين.
المدخل الأول: الخليج، حيث يوجد قسم كبير من الأسطول الخامس الأميركي، في قاعدته البحرينية، وتسهيلاته الكويتية والعمانية. ومن يتابع تصريحات العسكرتاريا الإيرانية، يجد أنها تحسب حساباً جدياً للخليج، باعتباره مكان الاحتكاك الرئيس بين البحريتين الإيرانية والأميركية، خصوصاً بعد أن أعلن أحد مستشاري ترامب أنه سيأمر بحريته بما أسماه “قذف زوارق إيران وسفنها إلى خارج مياهه”. ثمّة هنا كثافة كبيرة جداً في القطع البحرية، بمختلف مسمياتها، من الزوارق السريعة إلى حاملات الطائرات. وهناك محاولات استفزاز متكرّرة، قامت بها البحرية الإيرانية للأميركيين، من دون أن تلقى غير ردود كلامية وتحذيرية، لكن الوضع سيتغير في فترةٍ يرجّح ألا تكون بعيدة، في ظل الإدارة الأميركية الجديدة.
المدخل الثاني: الوجود الإيراني في الوطن العربي، سواء عبر تنظيماتٍ محليةٍ درّبتها إيران وسلحتها ومولتها، لتكون وحداتٍ محلية من جيشها: في لبنان والبحرين والكويت واليمن والعراق وسورية، أم بواسطة وجود جيشها وحرسها الثوري المباشر في لبنان وسورية والعراق واليمن، حيث يعمل مستشارون من الحرس الثوري، وتقاتل وحدات مختارة من الجيش والباسيج، يقارب عددها عدد جيوش هذه البلدان أو يفوقه. بما أن الوجود الإيراني المرابط هنا مليء بالثغرات، فإنه سيغري ترامب بمواجهته، خصوصاً أن قتال أميركا ضده لا يتطلب استخدام جيشها الخاص، بل يمكن أن يتم بواسطة قواتٍ وطنية محلية، يقاتل بعضها إيران اليوم، وتتشوق جميعها لإخراج مرتزقتها من بلدانها، بمجرد أن يتوفر لها غطاء دولي فاعل، وأدوات قتال ملائمة.
بالنسبة لأولويات واشنطن، من المرجح أن تقوم خطتها على كبح التوسّع الإيراني في العالم العربي، من خلال محاصرته والتضييق عليه، تمهيدا لإنزال مجموعة من الهزائم به، تجبره على الانكفاء التدريجي إلى داخل إيران، حيث ستضغط على الملالي، بمختلف الوسائل الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ويعمل لإحداث ردود فعل داخلية متصاعدة ضدهم، عبر وضع خطط لاستنزاف قدراتهم المالية والبشرية، يؤثر تفعيلها على مكانة أجهزة السلطة العسكرية والقمعية ووظائفها، ويراكم نقمة متعاظمة ضد النظام، في حال اقترن الضغط الخارجي مع توسيع العقوبات عليه، وتصعيد الاستفزازات ضد البحرية الإيرانية داخل مياه الخليج، واعتراض زوارقها وسفنها في بحر العرب والبحر الأحمر، لإبعادها عن باب المندب واليمن، ومنعها من نقل السلاح إلى حزب الله والحوثيين.
هل سيفتح ترامب ملف إيران في ظل وجود قوات أميركية محدودة الأعداد في العراق؟ هذه نقطة سيكون من الصعب عليه تجاهلها، فهل سيعمد إلى سحب قواته من العراق، أم إنه سيأمر بزيادة عديدها وتسليحها، ليجعل منها قوة قادرة على ردع إيران، بالتلازم مع تكثيف الوجود البحري الأميركي في مداخل الخليج وممرات البحار المفضية إليه، وعقد اتفاقيات دفاعية مع الدول المطلة عليه، وخصوصاً منها بلدان الخليج ومصر؟
ثمة تصريحات ودلائل عديدة تفيد بأن “عظمة أميركا” التي تعهد ترامب باستعادتها ستنضوي في نهجٍ من أولوياته مواجهة إيران، المكشوفة اليوم كما لم تكن خلال الرئاسات الأميركية السابقة، وتوحي نظرية المؤامرة بأن العمل لإخراجها من المجال العربي سيفيد كثيراً من سياسات العهد الأوبامي الذي سهل دخولها إلى المشرق العربي واليمن، واستدرجها إلى خارج غطائها الداخلي الذي يحمي اليوم نظامها، تمهيداً لمجابهتها وتسديد ضربات جدية إليها في حقبة مقبلة، بينما تكون مكشوفةً، وفي حالٍ من الضعف تتيح لواشنطن تشتيت قواها وضربها.
بعد العرب، يأتي دور إيران. وبعد أن قالت نظمنا إن الفوضى الخلاقة لن تصل إلى بلدانها، غرق المشرق فيها إلى أذنيه، ودفعت النظام الأسدي الذي كان يزعم أنه حصين ضد الفوضى، إلى تدمير سورية بيتاً بيتاً، وقتل شعبها فرداً فرداً، لكي تبقيه في كرسيه. وقد شارك ملالي إيران، أعداء الغرب المزيفون، في الوليمة الدموية القاتلة، للثأر من العرب، مرة بحجة أنهم قتلوا الحسين (عليه السلام)، وأخرى بذريعة أنهم هزموا كسرى. واليوم، وبعد أن أنجز الملالي قسماً رئيساً من مهمتهم، يبدو أن دورهم قد جاء، وأن الفوضى التي سميت خلاقة التي لعبوا دوراً خطيراً في إنجاحها عندنا، ستصل إليهم، لكن وقائعها ستكون أضعاف الوقائع السورية والعراقية، بسبب ما يعتمل في المجتمع الإيراني من نقمةٍ على فاسدين وكذبة، يغطّون رؤوسهم بعمائم النفاق، ويحكمون مواطنيهم بالنار والحديد، وكذلك بسبب ما ارتكبوه في العالم الإسلامي عامة، والعربي خصوصاً من مجازر دموية لم يسبق أن شهدا مثيلاً لها، حتى في ظل الفرنجة، والمغول، والتتار.
المصدر : العربي الجديد