لم ينم أحدٌ منا بلا وجع ليلة الأمس والتي سبقتها وإن كانت كل ليالينا موجعة وإن بتفاوت بسبب البعد عن مشاهد الدمار والنار المستمرين.
أكثر من 80 ألف مدني هم في حصار هو الأشد على 6 كم مربع من أحياء حلب الشرقية، ينقصهم فيها الغذاء والماء والدواء والكهرباء والدفء، وينقصهم معها كرامة العرب والمسلمين حتى يحرقوا الأرض لأجل إخوانهم، وإن كان يقيننا أنها لن تحصل بلا قيامة أو ركام يشمل الجميع.
كل مظاهرات المغترب التي خرجت في مدن العالم، إسطنبول وأغلب المدن التركية، باريس، أمستردام، واشنطن، برلين، ستوكهولم، عمان وغيرها حاول السوريون ومن معهم من متضامنين أن يكونوا أقل وجعاً عبر الصراخ الذي لن يصل لأحد. إن من لم يحرك الدم والدمار وموت الأطفال فيه ذمة أو ضميراً هل سيحرك فيه صراخنا شيئاً؛ ربما نعم في عالم غير هذا العالم، وضمائرٍ غير تلك الضمائر.
لا يمكن منطقياً وعقلياً ألا نخرج وننشر الذعر في الشوارع؛ بل في قلوب من في السفارات والقنصليات يعلمون أن قوى الأمن ستحميهم ولكن قد نكون رعباً في منامهم؛ على الأقل نكون إزعاجهم المستمر. هكذا أرى أكبر جدوى من التظاهرات المسموح بها في بلدان الحريات، في أغلب بلداننا العربية حتى التظاهر ممنوع ومصيره كمصير أهل سوريا إما رصاصة أو سجن يحاولون فيه إلغاء مصطلح الحرية من تفكيرك.
في حلب يعيش الطفل باحثاً عن أبيه بين ركام فلا يجد إلا الحجارة، وتلقي العفيفة بنفسها لتموت ولا تغتصب، وتصعد الهرة على كتف أحدهم تريد الهجرة معه فهي لا تأمن وحوش الروس والمليشيات الشيعية أو الأسدية.
في حلب تضيع الفرحة والذكريات بين الدمار والدم وتتسلل البسمة على وجوه الناشطين حتى نطمئن عليهم، وفي حلب تهتز قبور الشهداء علها تنتقم ممن ينتهك حرمات المدينة.
في حلب عبد القادر الصالح وأبو فرات وأبو يزن الحلبي وعبد الوهاب الملا وماجد كرمان والمئات غيرهم يسألون عن مظاهرات بستان القصر والجامع الأموي والشيخ سعيد وباب الحديد؛ يسألون عن دمائهم التي سالت من أجل حلب؟!
وفي غرب حلب يتراقص الحثالات على أنغام الرصاص؛ رصاص الروس والإيرانيين وحزب كلاب لبنان وجبال العلويين على دماء إخوانهم وأقاربهم على بعد كيلومترات فقط، ويحيون الأفراح بنصر المجرم على جثث الأطفال ويظهرون على شاشات الميادين والمنار وكأنهم فتحوا أبواب السماء ولم يساهموا في إرهاق دماء الآلاف من المساكين.
ما يحصل يتحمله الجميع، وأولهم أمريكا والتي تحاول منذ اليوم الأول إعطاء الضوء الأخضر لمزيد من القتل والتهجير وتغيير ديموغرافية المدن.
محرمٌ عليك أن تطلب الحرية في عالم العار والخزي هذا، يرى في الطفل الصغير إرهاباً يخيف العالم وفي المحاصر الجائع عدواً يهدد مصالحه وخططه.
لا شك أن عدم التوحد أثر على ثورتنا وطريقها ولكنه سبب واحد من أسباب كبرى تتحملها دول إقليمية لم تمتلك شجاعة الموقف لتدخل حرب الوجود التي دخلتها إيران وروسيا بكامل عدتها وعديدها.
لقد حارب العالم كله هذه الثورة وكرامة أهلها وحاولوا أن يُدخلوا السوريين بصراع طويل الأمد لاستنزاف الجميع رغم اختلاف ميزان القوى بين أسلحة روسيا وجبروتها وشعب لا يملك إلا الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
وها هي حلب تقوم بين ليلة وضحاها لتخلع ثوب حريتها مرغمة وتبقى بين يدي محتلين كفروا بقيم الإنسان فقتلوه ومسحوه تاريخه وحضارته ليحكموا أشلاءه ؛ لقد قامت قيامة حلب ولن يكون لهم بعدها قائمة إن لم يكن الآن فعما قريب.!
المصدر : وطن اف ام