في ذروة النجاح الروسي في سوريا، دخل الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب بقوة على الخط، من طريق طلبه من وزارتي الدفاع والخارجية وضع خطة لإنشاء مناطق آمنة للمدنيين في سوريا في غضون 90 يوماً. الاجراء الاميركي ليس خافياً بدلالاته المقصود بها استرضاء تركيا التي قطعت شوطاً كبيراً على طريق التنسيق مع روسيا لايجاد حل سياسي في سوريا توج بانعقاد اجتماع أستانا بين وفدي النظام والفصائل المسلحة في رعاية روسية – تركية – ايرانية.
ومعلوم أن إنشاء مناطق آمنة في سوريا هو مطلب تركي مزمن بدأ مع بدايات الأزمة السورية، لكن إدارة الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما التي سعت الى تجنب الدخول العسكري المباشر في سوريا رفضت المطالب المتكررة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا الشأن.
وبعد هيمنة روسيا على مفاصل الأزمة السورية عسكرياً وسياسياً واستقطاب تركيا الى جانب موسكو، وجدت واشنطن نفسها خارج المعادلة السورية. وليس أدل على ذلك من التمثيل المتواضع للولايات المتحدة في اجتماع أستانا بينما برزت روسيا وتركيا وايران باعتبارها عرابة الحل السياسي، وخصوصاً بعد تمكن الجيش السوري من استعادة حلب، وقبول فصائل مسلحة أساسية بالذهاب الى طاولة الحوار، وتحرك “جبهة فتح الشام” (“النصرة” سابقاً قبل اعلان فك ارتباطها مع “القاعدة”) لتصفية فصائل معارضة موالية لتركيا كانت قبلت بالذهاب الى أستانا وإجراء مفاوضات سياسية مع النظام.
لذا فإن القرار الاميركي إنشاء المناطق الآمنة في سوريا من شأنه خلط الأوراق مجدداً لأنه يوفر لأنقرة حرية التحرك للابتعاد عن محور موسكو – طهران والعودة الى الرهان على الحل العسكري وسيلة لاسقاط النظام وإحداث التغيير الجيوسياسي في سوريا. واذا ما تراجعت تركيا عن التنسيق مع موسكو، فإن فصائل المعارضة السورية التي تتخذ الاراضي التركية مقراً لها ستعود الى الرهان على الحل العسكري.
وفي هذه الحال تبدو الحرب السورية مرشحة للدخول في طور جديد من التصعيد العسكري، خصوصاً ان روسيا وايران لن تتخليا عن مصالحهما في سوريا بسهولة. والمسعى الاميركي الجديد من شأنه أيضاً ان ينسف الانجازات العسكرية والسياسية التي حققتها موسكو منذ أيلول 2015 تاريخ تدخلها العسكري المباشر في سوريا. وتلتقي مصلحة ترامب الآن في نسف الجهود الروسية مع مصلحة التنظيمات الجهادية في سوريا التي ترفض بدورها الدور الروسي وتقاوم بشدة المساعي لإيجاد الحل السياسي في رعاية روسية – تركية – ايرانية. لا يعني هذا أن ثمة تنسيقاً بين اميركا والجهاديين، لكن ثمة مصلحة لكل من الطرفين ومن موقعين مختلفين في نسف الحل الآتي من روسيا.
وليست المرة الاولى تلتقي مصلحة اميركا مع مصلحة التنظيمات الجهادية. وأفغانستان حاضرة في الأذهان!
المصدر : النهار